كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

وهو قولُ عمرَ وعليٍّ وابنِ مسعودٍ، وصحَّ عن ابنِ عبَّاسٍ جوازُ ذلك، ورخَّص عِكْرِمةُ له بقراءةِ الآية والآيتَيْنِ.
وأمرُ الحائضِ أخفُّ وأيسَرُ مِن الجُنُبِ؛ لأنَّه يطولُ عليها حيضُها، وليس بيدِها رفعُهُ، بخلافِ الجُنُبِ؛ فإنَّه يَملِكُ رفعَ جنابتِه؛ فشُدِّدَ في أمرِه، فيجوزُ للحائض أنْ تَقْرَأَ القرآنَ؛ حتى لا تنساهُ، وتذكُرَ وِرْدَها، وتُحصِّنَ نقسَها في ذِكْرِها ليومِها وليلتِها.
ويختلِف العلماءُ في وجوبِ التطهُّرِ عندَ مسِّ المصحفِ؛ سواءٌ قصدَ القراءةَ أو غيرَ القراءةِ؛ وذلك لاختلافِهم في المعنى الذي تحتمِلُهُ هذه الآيةُ: هل يتعدَّى إلى مسِّ المُصْحَفِ الذي بأيدي الناسِ، أو هو خبرٌ عمَّا في اللَّوْحِ لا يَقتضي حُكْمًا؟ :
القولُ الأولُ: أنَّ الآيةَ تَحتمِلُ معنى المصحفِ؛ وعليه نصَّ الشافعيُّ، فقال: وهذا المعنى تحتمِلُهُ الآيةُ (١).
وهو الذي عليه جمهورُ العلماءِ وعامَّتُهم؛ أنَّه يجبُ التطهُّرُ عندَ مسِّ المصحفِ، وألَّا يَمَسَّ القرآنَ إلَّا طاهرٌ، وهذ مرويٌّ عن الأئمَّةِ الأربعةِ، وقد شدَّد في ذلك مالكٌ، وقال: "إنَّه لا يُمَسُّ ولو بحائلٍ كعِلَاقةٍ ووِسَادةٍ وقُمَاشٍ" (٢).
وعلى هذا الصحابةُ وفقهاءُ الحجازِ كالفقهاءِ السَّبْعةِ وغيرِهم:
فقد جاء عن سَلْمانَ الفارسيِّ أنَّه قضى حاجتَهُ، فقيل له: لو توضَّأتَ؛ لعلَّنا نسألُك عن آيٍ مِن القرآنِ؟ فقال: سَلُونِي؛ فإنِّي لا أمَسُّهُ، وإنَّه لا يمَسُّهُ إلَّا المطهَّرونَ، قال: فسألْناه، فقرَأَ علينا قبلَ أن يوضَّأَ,
---------------
(١) أخرجه البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (١/ ١٨٥).
(٢) "موطأ مالك" (١/ ١٩٩)، و"تفسير القرطبي" (٢٠/ ٢٢٤).

الصفحة 2105