كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

ورواهُ محمدُ بنُ عثمانَ بنِ أبي شيبةَ في "تاريخِه"، وعنه أبو نُعَيْمٍ؛ مِن حديثِ إسحاقَ بنِ عبدِ اللَّهِ، عن أَبَانَ بنِ صالحٍ, عن مجاهدٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ به؛ وإسحاقُ متروكُ الحديثِ (١).
وقد رَوَى عبدُ الرحمنِ بنُ أبي الزِّنادِ، عن أبيه، عمَّن أدرَكَ مِن فقهاءِ أهلِ المدينةِ الذين يُنتهَى إلى قولِهم؛ أنَّهم كانوا يقولونَ: "لا يَمَسُّ القرآنَ إلَّا طاهرٌ" (٢).
القول الثاني: قالوا بعدمِ احتمالِ الآيةِ لمعنى مسِّ المُصْحَفِ، وجوَّزُوا مسَّه بلا طهارةٍ؛ ورُوِيَ هذا عن أبي حنيفةَ وداودَ الظاهريِّ، وهو مرويٌّ عن الحَكَمِ وحمَّادٍ.
القولُ الثالثُ: جوازُ مسِّ حَواشِي المُصْحَفِ لا مسِّ حروفِه؛ وهو قولٌ لأبي حنيفةَ.
والأظهَرُ: أنَّ القرآنَ لا يُمَسُّ إلَّا عن طهارةٍ؛ تعظيمًا له، وإنْ لم تَحتمِلِ الآيةُ هذا المعنى، فيَحتمِلُهُ عملُ الصحابةِ والتابعينَ؛ فبه يقولُ سَلْمانُ الفارسيُّ وسعدٌ، ولا مُخالِفَ لهما مِن الصحابةِ، وإنْ لم يُقطَعْ بإثمِ مَنْ مَسَّهُ بغيرِ طهارةٍ؛ لعدمِ وجودِ النصِّ الصريحِ في ذلك، وإنَّما يُكتفى بالأمرِ بالطهارةِ؛ تعظيمًا للقرآنِ وتطهيرًا له، والسلفُ كانوا يَأْمُرونَ بأشياءَ ولا ينُصُّونَ على نوعِ الأمرِ وشِدَّتِه؛ لأنَّهم يُريدونَ الامتثالَ، حتى توسَّعَ الفقهاءُ في النظرِ، فأخَذُوا يُفصِّلونَ في مُجمَلِ ألفاظِهم وأوامرِهم وما يَنهَوْنَ عنه؛ حتى يُنسَبَ للواحدِ منهم أكثَرُ مِن رأي والقولُ عنه واحدٌ، وسندُهُ إليه واحدٌ، وحكايةُ الأمرِ لشيءٍ على سبيلِ الإجمالِ لا يُنافي الرُّفْقَ وتحريرَ الفقهِ، وقد يكونُ جملةً تعظيمًا للشريعةِ، وكثيرًا ما
---------------
(١) "حلية الأولياء" (١/ ٤٠)، و"دلائل النبوة" لأبي نعيم (ص ٢٤١).
(٢) أخرجه البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (١/ ١٨٥).

الصفحة 2107