كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

سورة الحديد
سورةُ الحديدِ مدَنيَّةٌ، وقد قال ذلك ابنُ عبَّاسٍ وابنُ الزُّبَيْرِ (١)، وقد حَكَى الإجماعَ على ذلك غيرُ واحدٍ (٢)، وقيل بمكيَّةِ بعضِها (٣).
وتضمَّنَتِ السُّورةُ ذِكرَ آياتِ اللَّهِ وقُدْرتهِ وصُنْعِهِ في مخلوقاتِه، ونِعَمِهِ وأفضالِهِ على عِبادِه، والتحذيرَ مِن النِّفاقِ وأوصاف أهلِه، وحثًّا على تدبُّرِ القرآنِ والتفكُّرِ فيه، وحثًّا على الإنفاقِ، وذِكْرَ بعضِ أحوالِ السابِقِينَ للاعتبارِ.
* قال اللَّه تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (٧)} [الحديد: ٧].
أمَر اللَّه بالصَّدَقةِ والبَذْلِ؛ شكرًا لِما وهب اللَّهُ العبدَ مِن نِعَمِ الأرضِ وخيراتِها، وذِكْرُ اللَّهِ للاستخلافِ في الآيةِ: دليلٌ على أنَّ الصدَقةَ مِن أعظَمِ ما يُثبِّتُ النِّعَمَ، وتستقرُّ به الأُممُ.
وقد تقدَّم الكلامُ على فرضِ الزكاةِ فيما يخرُجُ مِن الأرضِ مِن المعادنِ والنِّفْطِ عندَ قولِهِ تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: ٢٦٧]، وزكاةِ عُرُوضِ التجارة عندَ قولِهِ تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ
---------------
(١) "الدر المنثور" (١٤/ ٢٥٥).
(٢) "تفسير القرطبي" (٢٠/ ٢٣٥).
(٣) ينظر: "تفسير ابن عطية" (٥/ ٢٥٦)، و"زاد المسير" (٤/ ٢٣٢).

الصفحة 2111