كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

ومنهم مَن قال: إنَّ العَودَ هو تَكْرارُ الظِّهارِ أكثَرَ مِن مرةٍ، فجعَلُوا التَّكْرارَ عَوْدًا؛ وهذا قولُ داودَ (١)؛ وفيه نظرٌ؛ لأنَّ التَّكرارَ إنَّما هو تأكيدٌ لا عَوْدٌ.
ومنهم مَن قال: إنَّ المرادَ بالعَوْدِ هو العودةُ إلى الزوجةِ والرغبةُ في إبقائِها في عِصْمَتِهِ وعدمِ مُفارَقتِها؛ وهذا الأرجحُ، وهو قولُ مالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ، وبه قال جماعةٌ مِن السلفِ؛ كأبي العاليةِ وسعيدِ بنِ جُبَيْرِ والحسنِ وقتادةَ (٢)، ولازمُهُ: أنَّ الزوجَ إنْ ظاهَرَ وأَمضى ظِهَارَهُ وفارَقَها، فلا شيءَ عليه.
ولكنَّ منهم: مَن قيَّد العَودَ بالوطءِ كمالكٍ، ومنهم: مَن وسَّعَهُ وجعَلَهُ إرادةَ الوطءِ والإبقاءَ بالعِصْمةِ ولو مِن غيرِ وطءٍ، والأخيرُ أظهَرُ؛ وهو قولٌ لأبي حنيفةَ وأحمدَ، وظاهرُ كلامِ الشافعيِّ.
وأمَّا الظِّهارُ المؤقَّتُ؛ كأنْ يقولَ: أنتِ عليَّ كأُمِّي شهرًا كاملًا، فيُعتبَرُ فيه التوقيتُ في قولِ جمهورِ العلماءِ؛ فمَن فارَقَ زوجتَهُ مدةَ توقيتِه، فظِهارُهُ يَنتهي بتوقيتِهِ، وتسقُطُ عنه الكفارةُ؛ وهو مذهب الحنفيَّةِ والحنابلةِ والشافعيةِ في القولِ الأظهَرِ، ولا يكونُ المُظاهِرُ عائدًا إلَّا بالوطءِ في المُدَّةِ.
وذهَبَ المالكيَّةُ وبعضُ الشافعيَّةِ في غيرِ الأظهَرِ: إلى أنَّ الظِّهارَ لا يصحُّ فيه التوقيتُ، فإنْ قيَّدَهُ بوقتٍ، تأبَّدَ كالطلاقِ، ويَصيرُ مظاهِرًا أبدًا؛ لوجود سببِ الكفارةِ.
ومنهم: مَن جعَلَ الظِّهارَ المؤقَّتَ لَغْوًا، فلم يُرتِّبْ عليه شيئًا، وهو قولٌ لبعضِ الشافعيَّةِ؛ وفيه نظرٌ.
---------------
(١) "تفسير القرطبي" (٢٠/ ٢٩٤ - ٢٩٥).
(٢) ينظر: "تفسير ابن كثير" (٨/ ٣٩ - ٤٠).

الصفحة 2116