كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

خُمُسَهُ} [الأنفال: ٤١]، فبيَّنتْ أنَّ الباقيَ أربعةُ أخماسٍ، وأمَّا آيةُ الفَيءِ هنا، فلم تذكُرْ أنَّ للنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قدْرًا محدودًا: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} الآيةَ، ثمَّ أكَّدتْ أنَّ الفَيْءَ على الرسولِ لا على غيرِه، بخلافِ آيةِ الغنيمة، فنَسَبَتِ الغُنْمَ للمُسلِمينَ؛ كما في قولِهِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: ٤١]، فالغنيمةُ كسَبُوها فاستحَقُّوها، وأمَّا الفيءُ، فلم يَكْسِبوه؛ وإنَّما هو فضلٌ مِن اللَّهِ خالصٌ؛ ويدُلُّ على ذلك: ما رواهُ أحمدُ والشيخانِ، عن عمرَ -رضي اللَّه عنه-؛ قال: "كَانَت أَمْوَالُ بنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِمَّا لَمْ يُوجِفِ المُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ ولا رِكَابٍ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- خَالِصَةً، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْهَا نَفَقَةَ سَنَتِهِ -وَقَالَ مَرَّةً: قُوتَ سَنَتِهِ- وَمَا بَقِيَ جَعَلَهُ فِي الكُرَاعِ وَالسِّلاحِ عُدَّةَ فِي سَبِيل اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-" (١).
وبهذا قال مالكٌ وأحمدُ وجماعةٌ.
وقد حمَلَ جماعةٌ مِن المفسِّرينَ قولَهُ تعالى في الفَيْءِ هنا: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} على كلِّ ما غُنِمَ بلا قتالٍ؛ كالجِزْيةِ وخَرَاجِ أرضِ المشرِكِين؛ كما نصَّ على هذا مَعْمَرٌ وغيرُه (٢).
* * *
---------------
(١) أخرجه أحمد (١/ ٢٥)، والبخاري (٢٩٠٤)، ومسلم (١٧٥٧).
(٢) "تفسير الطبري" (٢٢/ ٥١٦).

الصفحة 2129