كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

وقد تقدَّم الكلامُ على الأذانِ وحُكْمِهِ عندَ قولِهِ تعالى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (٥٨)} [المائدة: ٥٨]، وتقدَّم الكلامُ على الموضعِ الذي يُؤذِّنُ فيه المؤذِّنُ مِن المسجدِ عندَ قولِهِ تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧)} [البقرة: ١٢٧].
قولُه تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}، فيه: إشارةٌ إلى أنَّ الجُمُعةَ على الحواضرِ، لا على المسافِرِينَ؛ لأنَّ الأسواقَ والضَّرْبَ فيها لا يكونُ إلَّا في القُرَى والمُدُن، لا في طرُقِ الأسفار، خاصَّةً في الزمنِ الغابر، فلم تكنِ المَتاجِرُ والأسواقُ في طرُقِ المسافِرِينَ كما هي اليومَ، حتى إنَّ الناسَ يُسافِرونَ أيامًا لا يَتزوَّدونَ لا ماءً ولا طعامًا، وكانوا في السابقِ يتزوَّدُ أحدُهُمْ لو خرَجَ شَطْرَ النهارِ ولو بالماءِ.

مَن تجبُ عليه الجُمُعةُ:
لا يختلِفُ العلماءُ على أنَّ الجُمُعةَ تجب على كلِّ ذَكَرٍ حُرٍّ حاضرٍ مستطيع بالغٍ في قَرْيةٍ، ولم تشرَعْ في السُّنَّةِ إلَّا على أهلِ القُرَى ومَن حولَها؛ على هذا عملُ الصحابة، وقد جاء في ذلك آثارٌ وأحاديثُ؛ منها ما يُروى: "لَا جُمُعَةَ ولا تَشْرِيقَ إِلَّا فِي مِصْرٍ"، وهذا صحيحٌ عن عليٍّ، ولكنَّه لا يصحُّ مرفوعًا، كما رواهُ سعدُ بنُ عُبَيْدةَ، عن أبي عبدِ الرحمنِ؛ قال: قال عليٌّ: "لَا جُمُعَةَ، وَلَا تَشْرِيقَ، وَلَا صَلَاةَ فِطْرٍ وَلَا أَضْحَى، إِلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ، أَوْ مَدِينَةٍ عَظِيمَةٍ".
رواهُ ابنُ أبي شَيْبةَ (١).
ومَن كان مقيمًا في أطرافِ المدينة، فعليه شهودُ الجُمُعةِ؛ ما لم
---------------
(١) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٥٠٥٩).

الصفحة 2145