كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

ولِما رَوى أبو داودَ وغيرُهُ، عن عِمرانَ بنِ حُصَيْنٍ: أنَّه سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ، ثُمَّ يَقَعُ بِهَا، وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى طَلَاقِهَا، ولا عَلَى رَجْعَتِهَا؟ فَقَالَ: طَلَّقْتَ لِغَيْرِ سُنَّةٍ، وَرَاجَعْتَ لِغَيْرِ سُنَّةٍ، أَشْهِدْ عَلَى طَلَاقِهَا، وَعَلَى رَجْعَتِهَا، ولا تَعُدْ (١).
ورَوى ابنُ جُرَيْجٍ، عن عطاءٍ؛ أنَّه كان يقولُ في قولِه تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}: لا يجوزُ في نكاحٍ ولا طلاقٍ ولا رِجاعٍ إلَّا شاهِدَا عَدْلٍ؛ كما قال اللَّهُ عزَّ وجلَّ، إلَّا أنْ يكونَ مِن عُذْرٍ (٢).
وذهَب جماعةٌ مِن العلماءِ: إلى أنَّ الأمرَ بالإشهادِ في الآيةِ على الاستحبابِ، وأنَّ الأمرَ للإرشادِ؛ كما في الإشهادِ في البيعِ؛ وذلك في قولِه تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: ٢٨٢]؛ وبهذا يقولُ أبو حنيفةَ ومالكٌ، وكذلك الشافعيُّ وأحمدُ في أحدِ قولَيْهِما، وهو الأظهَرُ؛ فالرَّجْعةً تتعلَّق بالزوجِ لا بالزوجةِ، فتحتاجُ إلى قَبُولٍ منها، والقولُ قولُهُ في ذلك، ولمَّا كان البيعُ لا يجبُ فيه الإشهادُ، وفيه قَبُولٌ وإيجابٌ، وجاء الأمرُ فيها بصيغةِ الأمرِ هنا؛ فالإشهادُ في الرَّجْعةِ مِن بابِ أَولى أنَّه للإرشادِ والدَّلَالةِ.
* * *

* قولُه تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: ٢ - ٣].
هذا وعدٌ مِن اللَّهِ لمَن امتثَلَ أمْرَهُ في الطلاقِ والرَّجْعةِ، والإمساكِ والتسريحِ بمعروفٍ، والإشهادِ على ذلك - أنْ يَجعَلَ اللَّهُ له مَخْرَجًا ممَّا
---------------
(١) أخرجه أبو داود (٢١٨٦)، وابن ماجه (٢٠٢٥).
(٢) "تفسير ابن كثير" (٨/ ١٤٥).

الصفحة 2160