كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

يَستقبلُه مِن ضِيقٍ، ومَن صحَّتْ نيَّتُه، اتَّسَعَتْ مَخارجُ فَرَجِه، وهذه الآيةُ نظيرُ قولِهِ تعالى: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: ٣٥]، ونظيرُ قولِه: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: ١٣٠]، فيُجازي اللَّهُ الزوجَيْنِ بحسَبِ امتثالِهما لأمرِ اللَّهِ، وبحسَبِ قصدِهما.
* * *

* قال اللَّه تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: ٤].
بيَّن اللَّهُ في الآيةِ عِدَّةَ المطلَّقةِ اليائسِ، وهي التي لا تَحِيضُ لِكِبَرِ سنِّها، ومِثلُها الصغيرةُ التي لا تحيضُ: أنَّ عِدَّتَهُنَّ ثلاثةُ أشهُرٍ.
وقولُه تعالى: {إِنِ ارْتَبْتُمْ}؛ يعني: في معرِفةِ العِدَّةِ لَهُنَّ، فعِدَّتُهُنَّ هي ما يُبيِّنُهُ اللَّهُ لكم؛ وبهذا المعنى قال سعيدُ بنُ جُبَيْرٍ (١)، وقال مجاهدٌ: إنِ ارتبتُم بما فِيهِنَّ مِن دمٍ: هل هو حيضٌ أم استحاضةٌ؟ (٢)، وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ أَفْقَهُ وأبصَرُ، وإنْ كان يصحُّ قولُ مجاهدٍ ومَن وافَقَهُ في حُكْمِ المُرتابةِ بينَ دمِ الحَيْضِ والاستحاضةِ، إلَّا أنَّ سياقَ الآيةِ أقرَبُ إلى قولِ سعيدٍ، واللَّهُ أعلَمُ.
وقد صحَّ عن عِكْرِمةَ أنَّه قال: إنَّ مِن الرِّيبةِ المرأةَ المُستحاضَةَ، والتي لا يَستقيمُ لها الحيضُ؛ تَحِيضُ في الشهرِ مِرارًا، وفي الأشهُرِ مرَّةً؛ فعِدَّتُها ثلاثةُ أشهُرٍ (٣).
---------------
(١) "تفسير ابن كثير" (٨/ ١٤٩).
(٢) "تفسير الطبري" (٢٣/ ٤٩).
(٣) "تفسير الطبري" (٢٣/ ٥٢).

الصفحة 2161