كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)
أزواجِهِ واختصاصِها له بطعامٍ دُونَهُنَّ، وقد جاء في "الصحيحَيْنِ"؛ أنَّ رسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يَشْتَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ الرِّيحُ؛ ولهذا قُلْنَ له: أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؛ لأنَّ ريحَها فيه شيءٌ، فلمَّا قال: (بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا)، قُلْنَ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ (١).
ومرادُهما بذلك: رعَتْ نَحْلُهُ شجرَ العُرْفُطِ الذي صَمْغُهُ المَغَافِيرُ؛ فكان له رائحةٌ على شاربِه.
وفي مسلمٍ؛ مِن وجهٍ؛ أنَّ عائشةَ وسَوْدَةَ تواطَأَتَا، وأنَّ مَن سقَتْهُ العسلَ حَفصةُ (٢).
والأولُ أرجَحُ، وصحَّ عن عمرَ؛ أنَّهما عائشةُ وحفصةُ؛ كما في "الصحيحَيْنِ" (٣).
وقد صحَّ أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حرَّم أمَّ إبراهيمَ عليه؛ كما رَوَى الهيثمُ بنُ كُلَيْبٍ في "مسندِه"، عن عمرَ؛ قال: قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لحفصةَ: (لَا تُخْبِرِي أَحَدًا، وَإِنَّ أُمَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيَّ حَرَامٌ)، فقالتْ: أتُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لك؟ قال: (فَوَاللَّهِ لا أَقْرَبُهَا)، قال: فلم يَقرَبْها حتى أَخبَرَتْ عائشةَ، قال: فأنزَلَ اللَّهُ، {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (٤).
ورَوَى ثابتٌ، عن أنسٍ؛ أنَّ رسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ يَطَؤُهَا، فَلَمْ تَزَلْ بِهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ حَتَّى حَرَّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّه عزَّ وجلَّ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}، إِلَى آخِرِ الآيَةِ (٥).
وقد صحَّ عن جماعةٍ مِن السلفِ: أنَّ الذي حرَّمه النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على نفسِه هو وَطْءُ جاريتِهِ؛ منهم مسروقٌ (٦) وقتادةُ (٧).
---------------
(١) أخرجه البخاري (٦٩٧٢)، ومسلم (١٤٧٤).
(٢) أخرجه مسلم (١٤٧٤/ ٢١).
(٣) أخرجه البخاري (٤٩١٣)، ومسلم (١٤٧٩).
(٤) ينظر: "المختارة" للضياء المقدسي (١٨٩)، و"تفسير ابن كثير" (٨/ ١٥٩).
(٥) أخرجه النسائي (٣٩٥٩).
(٦) "تفسير الطبري" (٢٣/ ٨٤).
(٧) "تفسير الطبري" (٢٣/ ٨٨).
الصفحة 2168
2230