كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)
سورة القلم
سورةُ القلمِ مكيَّةٌ، وقد حُكِيَ الإجماعُ على ذلك، وإنَّما اختُلِفَ في بعضِ آياتِها (١)، وفي هذه السُّورةِ: بيانُ حُجَّةِ اللَّهِ على المشرِكِيِنَ بآياتِهِ وكَلِماتِه، ورَدُّ بُهْتانِهم باتِّهامِ نبيِّه وكتابِه، وكيدِهم ومَكْرِهم عليه وحُجَجِهم الباطلةِ، وذِكْرُ ما ينتظِرُهم يومَ القيامةِ مِن عذابٍ أليمٍ.
* قال اللَّه تعالى: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} [القلم: ١٠].
ذكَر اللَّهُ صفةَ بعضِ خصومِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بمكةَ، وهو كثرةُ الحَلِفِ لإثباتِ باطلِهم وسترِ حُجَّتِهم الضعيفةِ، وكلَّما كانت الحُجَّةُ قويَّةً، كانتْ ناطقةً بإثباتِ نفسِها، لا تحتاجُ إلى أَيْمانٍ مغلَّظةٍ.
وكان في العربِ تعظيمٌ للَّهِ وهم على شِرْكٍ، وكانوا يَمدَحونَ قليلَ الحَلِفِ به، الذي لا يجعلُهُ عُرْضَةً لكلِّ قولٍ؛ كما قال الشاعرُ:
قَلِيلُ الأَلَايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ ... وَإِنْ صَدَرَتْ مِنْهُ الْأَلِيَّةُ بَرَّتِ (٢)
وقولُه تعالى: {مَهِينٍ}؛ يعني: ضعيفَ الحُجَّةِ.
وفي هذه الآيةِ: كراهةُ وذمُّ اتِّخاذِ اللَّهِ عُرْضةً عندَ كلِّ قولِ حقٍّ وباطلٍ، بالحَلِفِ والأَيْمانِ، وقد تقدَّم الكلامُ على دلك عندَ قولِهِ تعالى:
---------------
(١) ينظر: "تفسير ابن عطية" (٥/ ٣٤٥)، و"زاد المسير" (٤/ ٣١٨)، و"تفسير القرطبي" (٢١/ ١٣٥).
(٢) البيت لكُثَيِّرِ عَزَّة في "ديوانه" (ص ٣٢٥).
الصفحة 2177
2230