كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

(لَا تَسُبُّوا الدِّيكَ؛ فَاِنَّهُ يُوقِظُ لِلصَّلَاةِ) (١).
ويُستحَبُّ أنْ يكونَ الوِتْرُ آخِرَ الليلِ، وإنْ أوتَرَ أيَّ وقتٍ منه، فلا حرَجَ؛ كما رَوى مسروقٌ؛ قال: قلتُ لعائشةَ: متى كان يُوتِرُ رسول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قالتْ: "كُلَّ ذَلِكَ قَدْ فَعَلَ؛ أَوْتَرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَوَسَطَهُ، وَآخِرَهُ، وَلَكِنِ انْتَهَى وِتْرُهُ حِينَ مَاتَ إِلَى السَّحَرِ" (٢).
* * *

* قال اللَّه تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل: ١٠].
أمَر اللَّهُ نبيَّه بقيام الليلِ في صَدْرِ السورةِ؛ تثبيتًا له عندَ الشدائدِ وما يَلْقاهُ مِن قومِه مِن شِدَّةٍ؛ فإنَّ أعظَمَ الحبالِ مع الخالقِ يَنسِجُها العبدُ بالعبوديَّةِ للَّهِ تُثبِّتُهُ وتُقوِّيهِ وتُنجِيهِ ويَكفِيهِ بها اللَّهُ، ثمَّ أمَرَ اللَّهُ نبيَّه بالصبرِ على ما يراهُ ويسمعُهُ ويجدُهُ منهم مِن الأذى.
وقولُه: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا}: أمَر اللَّه نبيَّه بمُفارَقةِ المشرِكِينَ، والبُعْدِ عنهم، وعدمِ مقابلةِ أذاهم بمِثْلِه، وقد قال بعضُ السلفِ كقتادةَ: "إنَّ هذه الآيةَ منسوخةٌ يسورةِ براءةَ؛ حيثُ أمَر اللَّهُ بقتالِهم" (٣)، ومَن كانتْ حالُه كحالِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حالَ نزولِها، فحُكمُهُ كحُكْمِه، وإنَّما قال قتادةُ بالنَّسْخِ؛ لأنَّ حالَ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- تغيَّرتْ، فتغيَّرَ الحُكْمُ تَبَعًا لذلك، ولم يَرفَعِ اللَّهُ حُكْمَ الهَجْرِ الجميلِ بذاتِهِ عندَ الحاجةِ إليه، وقد تقدَّم الكلامُ
---------------
(١) أخرجه أحمد (٥/ ١٩٢)، وأبو داود (٥١٠١)، والنسائي في "السنن الكبرى" (١٠٧١٥).
(٢) أخرجه البخاري (٩٩٦)، ومسلم (٧٤٥)، وأبو داود (١٤٣٥)؛ واللفظ له.
(٣) "تفسير الطبري" (٢٣/ ٣٨٠).

الصفحة 2188