كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)
على مسألةِ الهَجْر وأحوالِهِ عندَ قولِهِ تعالى: {قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا} [آل عمران: ٤١].
* * *
* قال اللَّه تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المزمل: ٢٠].
كان النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ومَنْ معه مِن أصحابِه يقومونَ تارةً ثُلُثَي الليلِ، وتارةً نِصْفَه، وتارةً ثُلُثَه؛ وذلك لمَّا أمَر اللَّهُ له ابتداءً، وقد لَقِيَ الصحابةُ مِن ذلك شِدَّةَ ومشقَّةً، فخفَّف اللَّهُ عنهم في ذلك، وجعَلَ قَدْرَ ما يقومونَهُ بحسَبِ ما تيسَّرَ لهم مِن غيرِ أمرٍ، وقد رَوَى سعدُ بن هشامٍ؛ قال: انْطَلَقْنَا إِلَى عَائِشَةَ، فَاسْتَأْذَنَّا عَلَيْهَا، فَدَخَلْنَا، قُلْتُ: أَنِبِئنِي عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قَالَتْ: "أَلَسْتَ تَقْرَأ هَذِهِ السُّورَةَ {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: ١]؟ "، قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: "فَإِنَّ اللَّهَ افتَرَضَ القيامَ فِي أَوَّلِ هَذ السُّورَةِ، فَقَامَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَصْحَابُهُ حَوْلًا، حَتَّى انْتَفَحَتْ أَقدَامُهُمْ، وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا اثنَيْ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ التَّخفِيفَ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَصَارَ قِيَامُ اللَّيلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ" (١).
والتخفيفُ ظاهرٌ في الآيةِ في قولِه تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ
---------------
(١) أخرجه مسلم (٧٤٦)، والنسائي في "السنن الكبرى" (١١٥٦٣)؛ واللفظ له.
الصفحة 2189
2230