كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)
عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}، فذكَر القرآنَ؛ لأنَّه هو أطولُ ما بصلاةِ الليلِ، وتُسمَّى الصلاةُ قرآنًا؛ كما في قولِهِ تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: ٧٨]، ويُسمَّى القرآنُ صلاة كذلك؛ كما في قولِه تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: ١١٠]؛ يعني: قراءتَك.
ودَلَّ على وجوبِ قيامِ الليلِ أولَ الأمرِ قوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ}، والمرادُ بالإحصاءِ: الطاقةُ، ثمَّ رفَع الحرَجَ بالتوبةِ على التارِكِ.
وقد بيَّن اللَّهُ سببَ عُذْرِهِ لعِبادِهِ بذلك في قولِهِ: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}؛ وذلك لأنَّ مِن الناسِ مَنْ يكونُ مريضًا أو يحتاجُ إلى نشاطٍ في نهارِه ليتكسَّبَ ويطلُبَ الرِّزْقَ، وطولُ قيامِهِ الليلَ يُزاحِمُ نشاطَهُ في النهارِ.
وإسقاطُ اللَّهِ لنافلةِ الليلِ لا يُسقِطُ فريضةَ الصلاةِ، وحتى لا يُظَنَّ ذلك قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}؛ يعني: الفريضةَ.
ثمَّ رغَّب اللَّهُ في تقديمِ العملِ الصالحِ وعدمِ التكاسُلِ عنه، فهو قرضٌ يكونُ وفاؤُهُ يومَ القيامةِ بعظيمِ الأجرِ والثوابِ؛ كما قال: {وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
* * *
الصفحة 2190
2230