كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)
سورة المدثر
سُوْرَةُ المُدَّثِّر سورةٌ مكيَّةٌ باتِّفاقِهم (١)، وقد نزَلت بعدَ سورةِ "اقرَأْ"، وفي البخاريِّ ومسلم؛ أنَّ جابرًا عَدَّها أولَ شيءٍ: نزَلَ (٢)، والأكثرُ على أنَّها نزَلت بعدَ "اقرَأْ"، وقد روى جابرٌ -رضي اللَّه عنه-؛ قال: إنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (بَيْنَا أنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا المَلَكُ الَّذِي جَاءنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَجُئِثتُ مِنْهُ رُعْبًا، فَرَجَعْتُ، فَقُلْتُ: زَمِّلُوني زَمِّلوني، فَدَثَّرُوني؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}) (٣).
وفي السورةِ: بدايةُ البعثِ وإرسالِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى قومِه، وفيها وصايا مِن اللَّهِ له قبلَ رسالتِهِ ومعها ممَّا يُعِينُهُ على مَرْضاةِ اللَّه ويُثبِّتُهُ على أمرِهِ ونهيِه، وفيها تذكيرٌ بالآخرةِ وتزهيدٌ في المكذِّبينَ لها وتحقيرٌ لحُجَجِهم وأهوائِهم، وفي هذا تثبيثٌ للدَّاعي على دَعْوتِه؛ أنْ يَعلَمَ قَدْرَ مَن يُقابِلُهُ، وعِظَمَ عاقبةِ النبيِّ وسوءَ عاقبةِ عدوِّه.
* * *
---------------
(١) "تفسير ابن عطية" (٥/ ٣٩٢)، و"زاد المسير" (٤/ ٣٥٨)، و"تفسير القرطبي" (٢١/ ٣٥٤).
(٢) أخرجه البخاري (٤٩٢٤)، ومسلم (١٦١/ ٢٥٧).
(٣) أخرجه البخاري (٤٩٢٥).
الصفحة 2191
2230