كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

* قال اللَّه تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: ٤].
أمَر اللَّهُ نبيَّه بالنِّذارةِ بقولِه: {قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر: ٢]، ثمَّ أمَرهُ بتطهيرِ ثيابِه، وحمَلَ عامةُ المفسِّرينَ مِن السلفِ تطهيرَ الثيابِ على التطهيرِ المعنويِّ، فيجبُ تطهيرُ الثيابِ مِن الإثمِ والحرامِ، والجوارحِ مِن أعمالِ السُّوءِ، وقد كانتِ العربُ تسمِّي الغادرَ دَنِس الثيابِ؛ يقولُ غَيلَانُ بن سَلَمة:
وَإِنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ لَا ثَوبَ فَاجِرٍ ... لَبِسْتُ وَلَا مِنْ غَدْرَةٍ أَتَقَنَّعُ (١)
وقلةٌ مِن السلفِ كابنِ سِيرينَ (٢) حمَلُوهُ على تطهيرِ الثيابِ بالماءِ مِن الأنجاسِ والأقذارِ؛ وبهذا القولِ قال الشافعيُّ، ولفظُ التطهيرِ يَحتملُهُ هنا مِن جهةِ اللُّغةِ، لا مِن جهةِ الوضعِ.
وقد استدَلَّ بعضُ الفقهاءِ كالشافعيِّ بهذه الآيةِ على وجوبِ تطهيرِ الثيابِ مِن النجاساتِ، وقد اختلَفَ العلماءُ في وجوبِ تطهيرِ الثوبِ مِن النَّجَسِ للصلاةِ على قولَيْنِ، وهما قولانِ في مذهبِ مالكٍ:
قيل: إنَّ التطهيرَ سُنَّةٌ للصلاةِ ليس بواجبٍ لها؛ وإنَّما هو مِن تمامِها وكمالِها، ومَن صلَّى بلِباسٍ غيرِ طاهرٍ، فصلاتُهُ صحيحةٌ؛ وذلك أنَّ مَن صلَّى بالاستجمارِ مِن غيرِ غَسْلِ للمَحَلِّ، فإنَّ صلاتَهُ صحيحةٌ، مع القطعِ بوجودِ شيءٍ مِن النَّجَسِ الذي يُمكِنُ إزالتُهُ بالاستنجاءِ بالماءِ.
وقال جماعةٌ مِن الفقهاءِ -وهو قولُ الشافعيِّ وأحمدَ-: إنَّه يجبُ تطهيرُها؛ لفعلِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حينَما خلَعَ نَعْلَيهِ وهو في الصلاةِ لمَّا أنبَأَهُ جبريلُ أنَّ بهما قَذَرًا؛ كما روى أبو داودَ؛ مِن حديثِ أبي سعيدٍ
---------------
(١) "تفسير الطبري" (٢٣/ ٤٠٥).
(٢) "تفسير الطبري" (٢٣/ ٤٠٩).

الصفحة 2192