كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

الخُدْرِيِّ -رضي اللَّه عنه-؛ قال: بَينَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ، إِذ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فلَمَّا رَأَى ذَلِكَ القَوْمُ، أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- صَلَاتَهُ، قَالَ: (مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ؟ )، قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ، فَأَلْقَينَا نِعَالَنا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إِنَّ جِبْرِيلَ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَتَانِي فَأَخبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا -أَوْ قَالَ: أَذًى-)، وَقَالَ: (إِذَا جَاء أَحَدُكُمْ إِلَى المَسجِدِ، فَلْيَنْظُرْ: فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى، فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا) (١).
وأمَّا الاستجمارُ، فهذا تخفيفٌ مِن الشارعِ في شيءٍ لا ينبغي أن يُنقَضَ به الأصلُ؛ وذلك أنَّ التخفيفَ فيه كتخفيفِ الشارعِ في بولِ الغلامِ، وتخفيفُهُ لا يَعني حَمْلَ غيرِهِ عليه، ولا أنَّه في ذاتِهِ طاهرٌ.
والتخفيفُ في الاستجمارِ أظهَرُ في الحاجةِ مِن التخفيفِ في بولِ الغلامِ؛ لعموم البَلْوَى به مِن كلِّ أحدٍ، والتيسيرُ فيه رحمةٌ ويُسْرٌ؛ دفعًا للحرَجِ والمشقَّةِ، وهي مِن جنسِ العَرَايَا في البيوعِ، وإباحتُها لا يعني نَقْضَ الأصلِ بها؛ ولكنَّها تُحمَل على التيسيرِ والتخفيفِ.
* * *

* قال اللَّه تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: ٥].
بعدَما أمَرَ اللَّهُ نبيَّه بتطهيرِ ظاهرِهِ مِن الأعمالِ التي لا يُحِبُّها اللَّهُ، أمَرَهُ بمفارَقهِ بِقَاعِها، وهي الأصنامُ وأماكنُها، والمرادُ بالرَّجْزِ هي أصنامُهم وأوثانُهم؛ وذلك أنَّ مفارَقةَ العملِ السيِّئِ لا تتمُّ إلَّا بمفارَقةِ أماكِنهِ التي يُقامُ فيها؛ فإنَّ إنكارَ المُنكَرِ لا يكونُ مع مخالطِته بلا حاجةٍ ولا ضرورةٍ.
---------------
(١) أخرجه أحمد (٣/ ٩٢)، وأبو داود (٦٥٠).

الصفحة 2193