كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

* قال اللَّه تعالى: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} [القيامة: ٢٩].
ذكَر اللَّهُ حالَ الاحتضارِ والإشْرافِ على مغادَرةِ الدُّنيا، والإقبالِ على الآخِرةِ، وقال ابنُ عبَّاسٍ: "إنَّ معنى {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ}: آخِرُ يومٍ مِى أيامِ الدُّنيا، وأولُ يومٍ مِن أيامِ الآخِرةِ؛ فتَلتقِي الشِّدَّةُ بالشِّدَّةِ إلَّا مَن رحِم اللَّهُ" (١)؛ وبنحوِه قال مجاهِدٌ وقتادةُ (٢).
وقد قال الضحَّاكُ: "أهلُ الدُّنيا يُجهِّزونَ الجسدَ، وأهلُ الآخِرةِ يُجهِّزونَ الرُّوحَ" (٣).
وبهذا قال أكثرُ السلفِ، وقد قال ابنُ زيدٍ: "لا نشُكُّ أنَّها ساقُ الآخرةِ، وقرَأَ: {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} [القيامة: ٣٠]؛ قال: لمَّا التفَّتِ الآخِرةُ بالدُّنيا، كان المَسَاقُ إلى اللَّهِ" (٤).
وحمَلَهُ ابنُ المسيَّبِ والشَّعْبيُّ والحسنُ والسُّدِّيُّ: على التفافِ الساقَيْنِ على الحقيقةِ؛ وهذا قولٌ لقتادةَ (٥).
وكلا المعنيَيْنِ تَحتمِلُهُ بلاغةُ القرآنِ، وفيها على المعنى الثاني مشروعيَّةُ تكفينِ الميِّتِ وتجهيزِه، وذلك مشروعٌ بلا خلافٍ، وهو مِن فروضِ الكفايةِ.
* * *
---------------
(١) "تفسير الطبري" (٢٣/ ٥١٦)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (١٠/ ٣٣٨٨).
(٢) "تفسير الطبري" (٢٣/ ٥١٦).
(٣) "تفسير الطبري" (٢٣/ ٥١٧).
(٤) "تفسير الطبري" (٢٣/ ٥١٨).
(٥) "تفسير الطبري" (٢٣/ ٥١٩ - ٥٢١)، و"تفسير القرطبي" (٢١/ ٤٣٥).

الصفحة 2200