كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

قال: (تِلْكَ صَلَاةُ المُنَافِقِ؛ يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَي الشَّيْطَانِ، قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا، لا يَذكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا) (١)، وهذا النِّفاقُ الأصغرُ الذي لم يُخرِجْهُ مِن المِلَّةِ، ولو كان أكبرَ، لم يَقُمْ لأدائِها.

التلازُمُ بينَ الرِّياءِ وتأخيرِ وقتِ الصلاةِ:
وثَمَّةَ تلازُمٌ بينَ تأخيرِ الصلاةِ عن وقتِها وبينَ الرِّياءِ، وكلَّما كان الرِّياءُ في قلبِ العبدِ عظيمًا، كان تَراخِيهِ عن الصلاةِ شديدًا، فإنِ اكتمَلَ الرِّياءُ، اكتمَلَ التَّرْكُ، وقد جعَلَ اللَّهُ الرِّياءَ مُلازِمًا للتساهُلِ في الصلاةِ في كتابه؛ كما في قولِه هنا: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (٥) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} [الماعون: ٤ - ٦]؛ فبمقدارِ الرِّياءِ يكونُ السهوُ عنها، وكذلك قرَن اللَّهُ الرِّياءَ بالتكاسُلِ عن الصلاةِ في قولِه تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ} [النساء: ١٤٢]، وكذلك هو في الحديثِ السابقِ فيمَن اعتاد تأخيرَ الصلاةِ إلى قُبَيْلِ المغربِ، قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (تِلْكَ صَلاةُ المُنَافِقِ).

تاركُ الصلاةِ وحُكْمُهُ:
والصلاةُ الرُّكنُ الثاني مِن أركانِ الإسلامِ، وهي أولُ الواجباتِ البدَنيَّةِ، وشريعةٌ في كلِّ الرِّسالاتِ، وفرَضَ اللَّهُ خَمسَها في السماءِ بلا واسطةٍ؛ بخلافِ بقيَّة الشرائعِ المفروضةِ والمسنونةِ.
وأمَّا تركُ الصلاةِ، فقد استفاضَتِ النصوصُ على كفرِ فاعلِهِ مرفوعةً وموقوفةً، وقد رَوَى مسلمٌ؛ مِن حديثِ جابرٍ؛ قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: (إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ) (٢).
---------------
(١) أخرجه مسلم (٦٢٢).
(٢) أخرجه مسلم (٨٢).

الصفحة 2213