كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

سورة النصر
سورةُ النصرِ سورةٌ مدَنيَّةٌ باتِّفاقِهم، وقد حَكَى الإجماعَ على ذلك خَلْقٌ مِن الأئمَّةِ (١)، وهي في بيانِ البُشْرى بالفتحِ على نبيِّه وتمكينِه وعلوِّ شأنِه وأمرِه، ونَعْي نفسِه له بعدَ التمكينِ له، فأشعَرَهُ اللَّهُ بدُنُوِّ أجَلِهِ وقُرْبِهِ مِن فترةِ تمكينِهِ ونصرِه.
* قال اللَّه تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: ٣].
لمَّا مكَّنَ اللَّهُ لنبيِّه وأعلَمَهُ بقُرْبِ نصرِه وفتحِه، نَعَى إليه قُرْبَ أَجَلِه، حيثُ أمَرَهُ بالإكثارِ مِن التعبُّدِ للَّهِ بالصلاةِ والتسبيحِ والاستغفارِ، وفي هذا: أنَّه يُشرَعُ الإكثارُ مِن التعبُّدِ في كل حِينٍ وخاصَّةَ عندَ دنوِّ الأجَلِ والشعورِ به؛ ليُختمَ للعبدِ على ذلك، وقد روى مسلمٌ؛ مِن حديثِ عائشةَ؛ قالتْ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُكثِرُ مِنْ قَوْلِ: (سُبحَان اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ)، قَالَت: فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَاكَ تُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ: (سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، أَسْتَغفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيهِ"؟ فَقَالَ: (خَبَّرَنِي رَبِّي أَنِّي سَأَرَى عَلَامَةً فِي أُمَّتِي، فَإِذَا رَأَيْتُهَا، أَكْثَرْتُ مِنْ قَوْل:
---------------
(١) ينظر: "تفسير ابن عطية" (٥/ ٥٣٢)، و"زاد المسير" (٤/ ٥٠١)، و"تفسير القرطبي" (٢٢/ ٥٣٨).

الصفحة 2225