كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأُتُوبُ إِلَيْهِ؛ فَقَدْ رَأَيْتُهَا: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: ١]؛ فَتْحُ مَكَّةَ، {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} [النصر: ٢]؛ {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}) (١).
وقد كان جماعةٌ مِن الصحابةِ يُفسُرونَها بظاهرِها، وكان عمرُ وابنُ عبَّاسٍ وغيرِّهما يَعلَمونَ منها نَعْيَ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- والشعورَ بقُرْبِ أجَلِه، وفي ذلك يقولُ ابنُ عبَّاسٍ: "كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا الفَتَى مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ؟ ! فَقَالَ: إنَّهُ مِمَّن قَدْ عَلِمْتُمْ، قَالَ: فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ وَدَعَاني مَعَهُمْ، قَالَ: وَمَا رئِيتُهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إلَّا لِيُرِيَهُمْ مِنِّي، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا. . .} [النصر: ١، ٢] حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ؟ فَقَالَ بَعْضهُمْ: أُمِرنَا أن نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَينَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نَدْرِي، أَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ شَيئًا، فَقَالَ لِي: يَا بْنَ عَبَّاسٍ، أكَذَاكَ تَقولُ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَمَا تَقُولُ؟ قُلْتُ: هُو أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَعْلَمَهُ اللَّه لَهُ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}؛ فَتْحُ مَكَّةَ، فَذَاكَ عَلَامَةُ أجَلِكَ: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}، قَالَ عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَعْلَمُ" (٢).
والمرادُ لذلك: الإكثارُ مِن العبادةِ عمومًا عندَ كمالِ النِّعْمةِ وتمامِها، وعندَ الكبَرِ والشعورِ بدُنُوِّ الأَجَلِ ولو مِن مرضٍ عاجلٍ
---------------
(١) أخرجه مسلم (٤٨٤).
(٢) أخرجه البخاري (٤٢٩٤).

الصفحة 2226