كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

سورتا المعوِّذَتَيْنِ
اختُلِفَ فيهما؛ فقيل: نزَلَتَا بالمدينةِ، وقيل: نزَلَتَا بمكةَ، والأكثرُ على مدَنيَّتِهما، ولابنِ عبَّاسٍ وقتادةَ قولانِ في ذلك (١)، وهي في تعليمِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأُمَّتِهِ الالتجاءَ إلى اللَّهِ، والتعوُّذَ به وحدَهُ مِن كلِّ سوءٍ وشرٍّ ظاهرٍ أو باطنٍ، خفيٍّ أو علنيٍّ.
* قال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: ١]، وقال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: ١].
أمَر اللَّهُ نبيَّه بالاستعاذةِ له سبحانَهُ مِن شرِّ كلِّ ذي شرٍّ، وذلك يُشرَعُ على سبيل العمومِ؛ وذلك لقولِهِ تعالى: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق: ٢]، فهذا عامٌ، ويُشرَعُ عندَ الشعورِ بأسبابِ يحتاجُ معها العبدُ إلى اللُّجوءِ إلى اللَّهِ؛ وذلك عندَ مَوَارِدِ الشيطانِ على النَّفْسِ بالخطَراتِ، وعندَ القُرْبِ مِن أماكنِ شياطينِ الجنِّ، كالحُشُوشِ والنجاساتِ والخَلَواتِ وبعضِ الفلَواتِ المُوحِشَةِ، وأماكنِ شياطين الإنسِ كمَجالِس الكفرِ والفجورِ ومَواردِ الشُّبُهاتِ فيها، وكثيرٌ مِن الشُّبُهاتِ تَرِدُ على الأسماعِ وترفُضُها العقولُ، وتُدخِلُها الشياطينُ إلى النفوسِ وتُسوِّلُ لها حتى تَستسيغَها بعدَ نُكْرانِها، وكم ممَّن يَسمَعُ باطلًا يُنكِرُهُ ثمَّ يُعيدُهُ الشيطانُ عيه مِرارًا حتى
---------------
(١) ينظر: "تفسير ابن عطية" (٥/ ٥٣٨ و ٥٤٠)، و"زاد المسير" (٧/ ٥٠٤ و ١٥٠)، و"تفسير القرطبي" (٢٢/ ٥٦٧).

الصفحة 2229