كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 1)

وعندَ احتمالِ الآيةِ العمومَ والخُصوصَ، نَقَلَ عنه عبدُ اللهِ الأخذَ بالعُمومِ، كما في قولِه تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: ٢٢]؛ قال أحمدُ: "ما كان في الجاهليَّةِ فظاهِرُها يحتَمِلُ أن يكونَ أَبُوه وجَدُّه وجَدُّ أَبِيه، وقال بعضُ الناسِ: وكذلك أَبُو أُمِّهِ لا يتزَوَّجُ امرَأَتَه" (١).
وكان أحمدُ رُبَّمَا خَصَّصَ عامَّ السُّنَّةِ بخاصِّ القرآنِ، كما في قِصَّةِ أبي جَنْدَلٍ (٢)؛ وذلك لَمَّا تصالَحَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على أنْ يَرُدَّ للمشرِكِينَ مَن جاءَهُم مؤمِنًا، فرَدَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الرِّجَالَ ولم يَرُدَّ النِّسَاءَ مع كونِ صُلْحِه عامًّا؛ وفي ذلك قولُه تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: ١٠] (٣).
وكان يُخصِّصُ عُمومَ القرآنِ بفِعلِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كما في قولِه تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: ٢٢٢]؛ فجَعَلَ القُرْبَ: الجِمَاعَ؛ لفِعلِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مع أزواجِهِ ونومِهِم في لِحَافٍ واحدٍ (٤).
وكان يخصِّصُ عمومَ الآيةِ بالقِياس، كما في قولِه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: ٦]، فكان أحمدُ يقولُ بأنَّ الرجلَ إذا قَذَفَ زوجتَه بعدَ الثلاثِ وله منها ولدٌ يريدُ نَفْيَه: أنَّه يُلَاعِنُ، فقِيلَ له: إنَّ اللهَ يقولُ
---------------
(١) "مسائل الإمام أحمد، رواية ابنه عبد الله" (ص ٣٣٦).
(٢) "صحيح البخاري" (٢٧١١، ٢٧١٢)؛ من حديث مروانَ بنِ الحَكَم والمِسْوَر بنِ مَخْرَمَةَ - رضي الله عنهما -.
(٣) "مسائل الإمام أحمد، رواية ابنه عبد الله" (ص ٢٥٢)، و"العدة في أصول الفقه" (٢/ ٥٦٩).
(٤) "العدة في أصول الفقه" (٢/ ٥٧٤).

الصفحة 23