كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 1)

فلا يجوز المصيرُ إلى السجنِ إلا بجُرْمٍ بيِّنٍ؛ فيُبدَأُ بالنفيِ، وإن استَحَقَّ لعِظَمِ جُرمهِ السجنَ، سُجن.
ومِن العلماءِ مَن يفرِّقُ بينَ النفيِ والسجنِ؛ كابنِ حزمٍ وغيرِهِ (١).
ولا يجوزُ السجنُ لمجردِ النيةِ؛ فآدمُ وحواءُ نهاهُما اللهُ عن قُربِ الشجرةِ، ولا شكَّ أنَّهما نَوَيَا القُرْبَ قبلَ القُرْبِ، واللهُ يَطَّلِعُ على السَّرِيرة، كما يطَّلعُ على الجَرِيرَة، ولم يُعاقِبْ سبحانَه إلا على الفعلِ، ومع هذا لم يُنزلِ اللهُ العقوبةَ عليهما بمجردِ العزمِ والهمِّ والقصدِ الجازمِ.
بخلافِ وجودِ العزمِ الذي لا يُدفَعُ إلا بالحبسِ؛ حيثُ لا يُؤمَنُ مِن عملِهِ، أمَّا التأديبُ على النيةِ، فلا يجوزُ في الدِّينِ.
ومِن العلماءِ مَن جعَلَ النفيَ مِن الأرضِ لمَن عُجِزَ عن الإمساكِ به ليُعاقَبَ؛ فيُمنَعُ مِن دخولِ بلدِهِ ليُشرَّدَ، ولا يرَوْنه عقوبةً في ذاتِهِ؛ روى عبدُ الرزَّاقِ: أخبرنا إبراهيمُ بنُ أبي يحيى، عن داودَ بنِ الحُصَيْنِ، عن عِكْرِمةَ، عن ابنِ عباسٍ؛ أنه قال في المحارِبِ: إنْ هرَبَ وأعجَزَهم، فذلك نفيُهُ (٢)؛ وفيه ضعفٌ.
وروى عن ابنِ جُرَيْجٍ، عن عبدِ الكريمِ أو غيرِهِ؛ قال: سمِعتُ سعيدَ بنَ جُبَيْرٍ وأبا الشعثاءِ جابرَ بنَ زيدٍ يقولانِ: إنَّما النفيُ ألَّا يُدرَكُوا، فإذا أُدرِكُوا، ففيهم حُكْمُ اللهِ تعالى، وإلا نُفُوا حتى يَلْحَقُوا ببلدِهم (٣).
وبهذا قال الشافعيُّ (٤).
والتوسُّعُ في السجونِ اليومَ - ومِن ذلك السجنُ في أماكنَ ضيِّقةٍ
---------------
(١) "المحلى" (٢/ ٩٩).
(٢) أخرجه عبد الرزاق (١٨٥٤٤) (١٠/ ١٠٨).
(٣) أخرجه عبد الرزاق (١٨٥٤٦) (١٠/ ١٠٩).
(٤) "الأم" (٦/ ١٥٧).

الصفحة 40