كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 1)

لا تتَّسِعُ إلا للواحدِ ممتدًّا - جرمٌ عظيمٌ، وخطأٌ جسيم، وعقوبةٌ ما نزَلَ بها الشرعُ؛ قال ابنُ تيميةَ: "الحبسُ الشرعيُّ: ليس هو السجنَ في مكانٍ ضيقٍ؛ وإنَّما هو تعويقُ الشخصِ ومنعُهُ من التصرُّفِ بنفسِهِ؛ سواءٌ كان في بيتٍ أو مسجدٍ، أو كان بتوكيلِ نفسِ الخَصْمِ أو وكيلِ الخصمِ عليه" (١).

كفاية المنفيِّ والسجين في نفسِهِ وأهله:
وقولُ اللهِ تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ}، تكفَّلَ اللهُ للمَنْفِيِّ في مَنْفَاهُ بالعيشِ؛ فلا يَنفِي السُّلْطانُ أحدًا في فلاةٍ وصحراءَ لا رِزقَ له فيها ولا مسكنَ يأوِي إليه، فهذا إفضاءٌ إلى قتلٍ، فيجبُ على السُّلْطانِ التكفُّلُ برزقِهِ ورزقِ عيالِهِ مِن ورائِه؛ فاللهُ أهبَطَ آدمَ وزوجَهُ ومع ذلك تكفَّلَ بالمستقَرِّ، وهو القرارُ والسكنُ فيها، وبالمتاعِ؛ وهو ما يُستمتَعُ به مِن لباسٍ وأكلٍ وشربٍ ممَّا يَكْفِيهم.
والمتاعُ في كلام العربِ: كلُّ ما استُمتِعَ به مِن شيءٍ؛ مِن معاشٍ استُمتِعَ به، أو رِياشٍ، أو زينةٍ، أو لذَّةٍ، أو غيرِ ذلك؛ ذكَرَهُ ابنُ جريرٍ (٢).
وقولُهُ تعالى: {وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}: فيه إشارةٌ إلى أنَّ النفيَ إلى أَجَلٍ، والحِينُ هو القَدْرُ المحدودُ؛ روى ابن جريرٍ في "تفسيرِهِ"؛ مِن حديثِ عبدِ اللهِ بنِ أبي جعفرِ، عن أبيهِ، عن الربيعِ: {وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}؛ قال: إلى أَجَلٍ (٣).

الحبسُ إلى أجلٍ معلوم:
والأصلُ في السجنِ والنفيِ: منع وقوعِهِ بلا حدٍّ، وضبطُ مدةٍ يَعرِفُ الجاني أَقْصاها، ويعرِفُ ورثتُهُ وزوجُهُ ومَن له حقٌّ عليه مِن أهلِ العقودِ والمنافعِ ذلك، ويجوزُ حبسُ مَن لا يَندفعُ شرُّهُ إلا بنفيِهِ وسَجْنِه؛ كمَن
---------------
(١) "مجموع الفتاوى" (٣٥/ ٣٩٨).
(٢) "تفسير الطبري" (١/ ٥٧٨).
(٣) "تفسير الطبري" (١/ ٥٧٨).

الصفحة 41