كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 1)
الناسُ حرامًا؛ فيُبْطِلُهُ بنصٍّ؛ كما قال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: ١٥١].
واللهُ تعالى أمَرَ بالوفاءِ بالعهودِ والعقودِ؛ فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١]، وقال: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: ٣٤] , وهذا أمرٌ لا يكونُ متوجِّهًا إلَّا لِمَا الأصلُ فيه الحِلُّ.
الأصلُ في العقودِ والمعاملاتِ الحِلُّ:
وهذا قولُ جَماهيرِ العلماءِ، ونصَّ ابنُ حَزْمٍ على أنَّ الأصلَ في العقودِ والمعامَلاتِ التحريمُ؛ قال في كتابِهِ "الإحكامِ": "إنَّ الأصلَ في العقودِ والعهودِ والشروطِ التحريمُ، حتَّى يَرِدَ التحليلُ" (١).
خلافًا لداودَ الظاهِرِيِّ وطائفةٍ مِن الظاهريِّينَ.
التوبةُ مِن الربا:
ومَن أخَذَ الرِّبا ونَمَا مالُهُ منهُ قبلَ نزولِ آيةِ تحريمِ الرِّبا، فله ما سلَفَ ممَّا قبَضَهُ وانتَهَى؛ لقولِه تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ}.
وحالات التاركِ للرِّبا ثلاثٌ:
الحالةُ الأُولى: مَن أخَذَ الرِّبا قبلَ نزولِ التحريمِ؛ كحالِ العبَّاسِ بنِ عبدِ المطَّلبِ وغيرِهِ، فلهم ما قبَضُوا ممَّا مضى عقدًا وقبضًا، ولم يثبُتْ عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه أمَرَ أحدًا مِن الناسِ أنْ يُعِيدَ ما سلَفَ مِن نماءِ مالِهِ مِن الرِّبا قبلَ تحريمِهِ، ولو كانَ لَنُقِلَ؛ لعمومِ البلوى بذلك، ومثلُ هذه الحالِ عدَمُ نَقْلِها دليلٌ على العدمِ.
---------------
(١) "الإحكام" لابن حزم (٥/ ١٥).
الصفحة 543