كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 1)

فيملِكُ تأديبَهُ من بابِ أَولى؛ فالتأديبُ شيءٌ عارضٌ، والمِلْكُ دائمٌ، فلمَّا جازَ شرعًا المِلْكُ الدائمُ، جاز التأديبُ العارضُ.
ولوليِّ الأمرِ إذا فَشَا ظلمُ العبيدِ والإماءِ أن يكِلَ الأَمْرَ إليه؛ وذلك أنَّ الشريعةَ جاءتْ بدفعِ المفاسدِ، فإذا كانتْ تتحقَّقُ المصلحةُ بإقامةِ الحدِّ مِن الوالي مِن غيرِ تفريطٍ، فله ذلك، وإلا فتركُهُ للناسِ هو الأصلُ، وعليه عملُ الصحابةِ والتابعينَ؛ فقد روى عبدُ الرزَّاقِ، عن مَعْمَرٍ، عن الزُّهريِّ؛ قال: "مضَتِ السُّنَّةُ أنْ يَحُدَّ العبدَ والأمَةَ أهلوهما في الفاحشةِ، إلا أنْ يُرفَعَ أمرُهما إلى السُّلْطانِ؛ فليس لأحدٍ أن يَفْتَئِتَ على السلطانِ" (١).
والرفعُ عن أصلٍ لا يكونُ إلا بتحقُّقِ مفسدةٍ ظاهرةٍ مِن بقاءِ الأصلِ لا يُمكِنُ تلافِيها ببقائِه، فإذا تحقَّقتِ المصلحةُ بالإمامِ، فيجوزُ رفعُهُ إليه.
* * *

قال تعالى {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: ٥٨].
أمَرَ اللهُ بَني إسرائيلَ بالسجودِ عندَ دخولِ بيتِ المَقْدِسِ، وهي القريةُ المذكورةُ في الآيةِ، وهذا هو الأشهرُ؛ قاله ابنُ عباسٍ (٢)، ومجاهد (٣)، وقتادةُ والسُّدِّيُّ والربيعُ (٤).
---------------
(١) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (١٣٦٠٦) (٧/ ٣٩٤).
(٢) ينظر: "زاد المسير" (١/ ٦٨) , و"البحر المحيط" (١/ ٣٥٦).
(٣) ينظر: "تفسير البغوي" (١/ ٩٨).
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" (١/ ٧١٢, ٧١٣).

الصفحة 67