كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 1)

وقيل: هي أرِيحَا، وهي قريبةٌ مِنْ بيتِ المَقْدِسِ؛ قاله عبدُ الرحمنِ بنُ زيدٍ (١).
والقريةُ: ما اتُّخِذَ قَرَارًا للناسِ ممَّا اجتمَعتْ فيه الأبنيةُ؛ كالحجارةِ والطِّينِ والخشبِ، وما لا قرارَ فيه - كأماكنِ الباديةِ التي يسكُنُونَ فيها ببوتَ الشَّعَرِ - فلا تُسمَّى قُرًى؛ لأنَّهم يرتحِلونَ عنها يتتبَّعونَ منافعَ مَوَاشِيهم.
والقريةُ: اسمٌ يُطلَقُ على المدنِ المعمورةِ المسكونةِ طَوالَ العامِ.
ثمَّ قال: {فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} , قدَّمَ السجودَ على الأكلِ؛ لأنَّ النعمةَ تحقَّقتْ بالدخولِ والتمكينِ قبلَ الأكلِ، فينبغي أنْ يكونَ الشكرُ عندَ التمكينِ مِن النعمةِ، وفي أثنائِها، وبعدَها.
والبابُ: مِن أبوابِ بيت المَقْدِسِ؛ قاله ابنُ عباسٍ ومجاهدٌ (٢).

سجودُ الشكرِ:
والسجودُ الذي أُمِروا به عندَ الدخولِ هو سجودُ الشكرِ، وفُسِّرَ السجودُ هنا بأنَّه الركوعُ؛ رواهُ سعيدُ بنُ جُبَيْرٍ والعَوْفِيُّ عن ابنِ عباسٍ (٣)، وهو الأصحُّ؛ لأنَّهم أُمِرُوا بالسجودِ مقترِنًا بالدخولِ؛ وهذا يتحقَّقُ في الركوعِ.
والسجودُ في اللُّغةِ يُطلَقُ على الانحناءِ على سبيلِ التعظيمِ؛ سواءٌ مسَّ الأرضَ أو لم يمَسَّها، ومنه قولُ الشاعرِ:
بِجَمْعٍ تَضِلُّ البُلْقُ في حَجَرَاتِهِ ... تَرَى الأُكْمَ مِنهَا سُجَّدًا لِلْحَوَافِرِ (٤)
---------------
(١) ينظر: "تفسير الطبري" (١/ ٧١٣).
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" (١/ ٧١٣ - ٧١٤)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ١١٧).
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" (١/ ٧١٤)، و" تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ١١٧).
(٤) ينظر: "المعاني الكبير" (٢/ ٨٩٠)، و"الزاهر في معاني كلمات الناس" (١/ ٤٧).

الصفحة 68