كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 1)

والأُكُمُ: التلالُ المرتفعةُ, جمعُ أكَمةٍ، وقيل: أُكُمٌ جمعُ: إِكَامٍ، وإكَامٌ جمعُ: أكَمٍ، وأكَمٌ جمعُ: أكَمةٍ (١).
يقولُ: تخضعُ الأُكُمُ وتهبِطُ خشوعًا مِن وَقْعِ حوافِرِ الخيلِ؛ وهي البُلْقُ، فالمرادُ بالسجودِ هنا: هو الخضوعُ والخشوعُ.
والسجودُ يُورِثُ الإنسانَ تواضُعًا للخالقِ؛ ولذا أمَرَ اللهُ به هنا؛ قال تعالى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: ٢٩]؛ صحَّ عن منصورٍ، عن مجاهدٍ؛ قال: "هو التواضُعُ" (٢).
وإذا رأيتَ متكبِّرًا، فاعلَمْ أنَّه قليلُ الصلاةِ أو عديمُها؛ لا يجتمعُ كِبرٌ مع كثرةِ سجودٍ.
وفي الآيةِ إشارةٌ إلى أنَّه يُشرَعُ للمتمكِّنِ مِن الدخولِ إلى نعمةٍ كُبرى - كفتحِ بلدٍ أو أرضٍ فيها نَعِيمٌ ورغدُ عيشٍ - أنْ يدخُلَها مطرِقًا للهِ منكسِرًا؛ حتى لا يُورِثَهُ تمكُّنُهُ منها بَطَرًا وأَشَرًا وكِبْرًا؛ فإنَّ الإنسانَ عندَ تغيُّرِ حالِهِ مِن ضعفٍ إلى قوةٍ، ومِن ذلٍّ إلى تمكينٍ، ومِن فقرٍ إلى غنًى، يجدُ في نفسِهِ نَشْوةً وسَكْرةً تختلِفُ عمَّا يجدُهُ المستديمُ على النعمةِ، والنعمةُ العظيمةُ الحادثةُ لها سَكْرةٌ على النفسِ تُفقِدُها توازُنَها، فإذا لم يَكسِرْها بتواضعٍ مِن أوَّلِ الأمرِ بالسجودِ للخالقِ والتضرُّع والتذلُّلِ له، تمكَّنتْ منه حتى أورَثتْهُ غرورًا وكِبْرًا وبغيًا على الخلقِ، وخاصةً النعمةَ المفاجئةَ للإنسانِ بعدَ بأسٍ وشدةٍ وفقرٍ؛ قال تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا} [يونس: ٢١]

العبادةُ عندَ فَجْأةِ النعم:
والنعمةُ المفاجئةُ بلا تدرُّجٍ: استدراجٌ، فلا يقابِلُها إلا شدةُ
---------------
(١) ينظر: "تهذيب اللغة" (١٤/ ١٧٨)، و"المحكم والمحيط الأعظم" (٧/ ٩٨)، و"تاج العروس" (أك م).
(٢) أخرجه البخاري (٦/ ١٣٤). وينظر: "فتح الباري" (٨/ ٥٨٢).

الصفحة 69