كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 1)

حِلْفُ اليهودِ الأوسَ والخزرجَ:
وقد كان اليهودُ في المدينةِ ولا قرارَ للنَّصارى فيها، وكان بينَ اليهودِ والأَوْسِ والخَزْرَجِ بالمدينةِ حِلْفٌ، فكان إذا وقَعَ بينَ الأوسِ أو الخزرجِ وبينَ اليهودِ قتالٌ، ساعَدَ كلُّ فريقٍ مِن اليهودِ حِلفَهُ مِن الأوسِ والخزرجِ على عدوِّهم فقاتَلُوهم معهم, وأخرَجُوهُمْ معهم مِن ديارِهم، وخرَّبُوا بيوتَهُمْ بعدَهم، بعدَ أنْ حُرِّمَ عليهم ذلك في التوراةِ، وأقَرُّوا به وشَهِدوا بذلك؛ فاللهُ يخاطِبُ يهودَ المدينةِ ويعاتِبُهم بتقصيرِهم وتفريطِهم في ميثاقِ اللهِ، مع أنَّهم يَقْرَؤونه في تَوْراتِهم عندَ نزولِ القرآنِ.
روى الطبريُّ، عن أَسْبَاطٍ، عن السُّدِّيِّ: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ}؛ قال: إنَّ اللهَ أخَذَ على بَني إسرائيلَ في التوراةِ: ألا يقتُلَ بعضُهمْ بعضًا، وأيُّما عبدٍ أو أمَةٍ وَجَدتُّمُوهُ مِن بَني إسرائيلَ، فاشتَرُوهُ بما قام ثَمَنَهُ، فأَعْتِقُوهُ، فكانتْ قُرَيْظةُ حلفاءَ الأوسِ، والنَّضِيرُ حلفاءَ الخزرجِ؛ فكانوا يَقْتَتِلُونَ في حربِ سُمَيْرٍ - وهي حربٌ في الجاهليةِ بينَ الأوسِ والخزرجِ - فيُقاتِلُ بنو قريظةَ مع حلفائِها النضيرَ وحلفاءَها، وكانتِ النضيرُ تُقاتِلُ قريظةَ وحلفاءَها، فيَغلبونَهم، فيُخْرِبُونَ بيوتَهم، ويُخْرِجُونَهم منها، فإذا أُسِرَ الرجلُ مِن الفريقَيْنِ كلَيْهِما، جمَعُوا له حتى يَفْدُوهُ، فتُعَيِّرُهم العربُ بذلك، ويقولون: كيف تُقَاتِلُونَهم وتَفْدُونَهم؟ ! قالوا: إنَّا أُمِرْنا أنْ نَفْدِيَهم، وحُرِّمَ علينا قِتَالُهم؛ قالوا: فلِمَ تُقاتِلُونَهم؟ ! قالوا: إنَّا نستَحْيِي أنْ تُسْتَذلَّ حلفاؤُنا؛ فذلك حينَ عَيَّرَهم - عز وجل -، فقال: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (١).
---------------
(١) "تفسير الطبري" (٢/ ٢٠٨).

الصفحة 80