كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 1)

كوكيلِ المُلَّاكِ على مزرعةِ الشَّرَاكةِ، فأولئك رَضُوهُ وليًّا لهم، وهؤلاءِ رَضُوهُ وكيلًا عنهم، فيمضي العهدُ، ومَن نقَضَ العهدَ، فنقضُهُ باطلٌ، وإذا لم يُمكِنْ إبطالُ نقضِهِ لعهدِهِ خاصَّةً، وانفصَلَ عن الجماعةِ، فيُنقَضُ العهدُ كلُّه.
وفي الآيةِ: جوازُ إبرامِ العهودِ والعقودِ مع مَن يُعرَفُ منه الخُدْعةُ وجُرِّبَ بالكذبِ؛ إذا قامتِ المصلحةُ في ذلك للمُسلِمِينَ، وأنَّ العهدَ والعقدَ صحيحٌ ملزِمٌ؛ شريطةَ التشديدِ في شروطِه.
والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عاهَدَ يهودَ وهو يعلَمُ نَقْضَهم في القرآنِ؛ طلبًا لأمنِ المسلِمينَ زَمَنَ تراخِيهم وعدَمِ تمكُّنِهم؛ روى ابنُ جريرٍ، عن حَجَّاجٍ، عن ابنِ جُرَيْجٍ؛ قولَه: {نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} قال: "لم يكنْ في الأرضِ عهدٌ يُعاهِدونَ علبه إلا نَقَضُوه، ويُعاهِدونَ اليومَ، ويَنقُضُون غدًا" (١).

وجوبُ التزام الحلفاءِ بعهد بعضِهِمْ مع غيرِهِمْ:
وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُؤاخِذُ الحلفاءَ بعضَهم بجريرةِ بعضٍ؛ لاتِّحادِهم بالعقودِ والعهودِ، والتزامِ بعضِهم بعهدِ بعضٍ، ومَن كان كذلك فالفئةُ إذا نقَضتْ، انتقَضَ عهدُ الأُخرى.
فقد روى مسلمٌ في "صحيحِه"؛ مِن حديثِ أبي المهلَّبِ، عن عِمْرانَ بنِ حُصَينٍ؛ قال: كَانَتْ ثَقِيفُ حُلفَاءَ لِبَنِي عُقَيْلٍ، فأَسَرَتْ ثَقِيفُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَسَرَ أَصَحَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ، وأَصَابُوا مَعَهُ العَضْبَاءَ، فَأَتَى عَلَيْهِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي الوَثَاقِ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَأَتَاهُ، فقال: (مَا شَأْنُكَ؟ ! )، فَقَالَ: بِمَ أَخَذْتَنِي، وَبِمَ أخَذْتَ سَابِقَةَ الحَاجِّ؟ ! فقال إعْظَامًا لِذَلِكَ: (أَخَذْتُكَ
---------------
(١) "تفسير الطبري" (٢/ ٣٠٩).

الصفحة 87