كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 1)
مُقَدِّمَةُ المُؤَلِّفِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالَمِين، أوْجَدَ الخَلْقَ وتَكَفَّلَ بهم، وجَعَلَ لهم عقولًا تَهْدِيهِم إلى دُنْياهُم ووَحيًا يَهْدِيهم إلى دِينِهم، رَبِّ الآخِرَةِ والأُولَى، لا يستَحِقُّ العبادةَ إلا هُو، ولا يستحِقُّ كمالَ الشُّكرِ والحمدِ غيرُهُ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا المصطَفَى بالرسالةِ، خيرِ البَرِيَّةِ وإمامِ الحَنِيفِيَّة، المخصوصِ بالوحيِ المحفوظِ مِن التبديلِ والتحريفِ، كما قالَ تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩]، أَمَّا بَعْدُ:
فإنَّ نِعمةَ الهدايةِ إلى معرفةِ الله وأوامرِهِ ونواهِيهِ وامتثالِها أعظَمُ النِّعَم؛ إذ لا خَصِيصَةَ فارِقَةٌ بينَ الإنسانِ والحيوانِ إلا بتلكَ النِّعْمَة، ومَن حُرِمَ ذلك استَوَى مع الحَيَوانِ بالاستِمْتَاعِ، ولا فارِقَ بينَهم إلَّا أنَّ كلَّ واحِدٍ يَعْمُرُ دُنياهُ بما يُناسِبُ كمالَ تَلَذُّذِه ومُتْعَتِه فيها، وكُلُّ جِنْسٍ بَصِيرٌ بنَفْسِه, بلْ إنَّ كثيرًا مِنَ الحيوانِ أكثَرُ مُتعةً في الدُّنيا مِن الإنسانِ، قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ} [محمد: ١٢]، وامتَازَ الحيوانُ بأنَّه لا يُحاسَبُ على مُتعتِه فقالَ: {وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} [محمد: ١٢]، ومِن هذا قولُه تعالى: {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف: ١٧٩].
وأَوْلَى ما يَجِبُ الوقوفُ عندَه مِن القرآنِ: مَعرِفةُ أوامِرِه ونواهِيه وأحكامِه، فمَن عَرَف أحكامَ اللهِ في كتابِه وتأمَّلَ ما فيها مِن إحكام، ودقيقِ انتِظَام، وعَظِيمِ المصالِحِ وجَلِيلِ المَقَاصِد؛ وَجَدَ في قَلْبِه مِن
الصفحة 9
2230