وفي الآيةِ: تكرارٌ للأمرِ بالتبيُّنِ؛ لأهميتِهِ وعِظمِ أثَرِ التفريطِ فيه؛ ففي أوَّلها قال: {إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا}، ثم قال: {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا}.
قال سعيدُ بنُ جُبَيرٍ: "وعيدٌ مِنَ اللهِ مرَّتيَنِ"؛ رواه ابنُ أبي حاتمٍ، عن حبيب بنِ أبي عَمرَةَ، عنه (١).
* * *
قال تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (٩٥) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: ٩٥، ٩٦].
في هذه الآية: فَضْلُ المجاهِدِينَ على القاعِدِينَ غيرِ المعذورِينَ؛ ولذا قال: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}؛ لأن الآيةَ نزَلَت في بَدْرٍ؛ كما رواهُ البخاريُّ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ (٢)، وكان النفِيرُ لبَذرٍ فرضَ عينِ على مَن وجَدَ ظهرًا لإدراكِ قافلةِ قريشٍ؛ لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - استَنْفَر أصحابَ الظهُورِ مِن أصحابِه، لا كلَّهم، فتعين على مَنِ استنفِرَ.
ولمَّا استيقَنَ أبو سفيانَ خروجَ النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه، استنفَرَ قومَهُ بمكِّةَ، فلحِقَهُ نحو ألف رجُلٍ، وقطَعَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بقَتالِهم؛ لأنهم أرادُوهُ، وربَّما لو لم يقاتِل مدَدَ قريشٍ، لَلَحِقوهُ إلى المدينة، فكان على مَن كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدَ قطعِهِ متعيِّنًا أن يُقاتِلَهم؛ لأنه دفعٌ لصائلةِ المشرِكِينَ التي ستتبَعُ الصحابةَ إلى المدينة، فاللهُ أعلَمَ نبيهُ بخروجِ فِرقةٍ مِن قريشٍ لنُضرةِ أبي سُفْيانَ؛ كما قال تعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ
---------------
(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ١٠٤٢).
(٢) أخرجه البخاري (٣٩٥٤) (٥/ ٧٣).