كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 1)

§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ الِاسْتِعَاذَةِ
§تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: {أَعُوذُ} [البقرة: 67] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالِاسْتِعَاذَةُ: الِاسْتِجَارَةُ، وَتَأْوِيلُ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، أَسْتَجِيرُ بِاللَّهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ خَلْقِهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، أَنْ يَضُرَّنِيَ فِي دِينِي، أَوْ يَصُدَّنِي عَنْ حَقٍّ يَلْزَمُنِي لِرَبِّي
§تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: {مِنَ الشَّيْطَانِ} [آل عمران: 36] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالشَّيْطَانُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، كُلُّ مُتَمَرِّدٍ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالدَّوَابِّ وَكُلِّ شَيْءٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ رَبُّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} [الأنعام: 112] فَجَعَلَ مِنَ الْإِنْسِ شَيَاطِينَ، مِثْلَ الَّذِي جَعَلَ مِنَ الْجِنِّ
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَرَكِبَ بِرْذَوْنًا، فَجَعَلَ يَتَبَخْتَرُ بِهِ، فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ، فَلَا يَزْدَادُ إِلَّا تَبَخْتُرًا، فَنَزَلَ عَنْهُ، وَقَالَ: «§مَا حَمَلْتُمُونِي إِلَّا عَلَى شَيْطَانٍ مَا نَزَلْتُ عَنْهُ حَتَّى أَنْكَرْتُ نَفْسِي» حَدَّثَنَا بِذَلِكَ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: خَبَّرَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْمُتَمَرِّدُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ شَيْطَانًا، لِمُفَارَقَةِ أَخْلَاقِهِ وَأَفْعَالِهِ أَخْلَاقَ سَائِرِ جِنْسِهِ وَأَفْعَالَهُ، وَبُعْدِهِ عَنِ الْخَيْرِ؛ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ أُخِذَ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: -[110]- شَطَنْتُ دَارِي مِنْ دَارِكَ، يُرِيدُ بِذَلِكَ بَعُدْتُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ نَابِغَةِ بَنِي ذُبْيَانَ:
[البحر الوافر]

نَأَتْ بِسُعَادَ عَنْكَ نَوَى شَطُونُ ... فَبَانَتْ وَالْفُؤَادُ بِهَا رَهِينُ
وَالنَّوَى: الْوَجْهُ الَّذِي نَوَتْهُ وَقَصَدَتْهُ، وَالشَّطُونُ: الْبَعِيدُ، فَكَأَنَّ الشَّيْطَانَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، فَيْعَالٌ مِنْ شَطَنَ؛ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، قَوْلُ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ:
[البحر الخفيف]

أَيُّمَا شَاطِنٍ عَصَاهُ عَكَاهُ ... ثُمَّ يُلْقَى فِي السِّجْنِ وَالْأَكبْالِ
وَلَوْ كَانَ فَعْلَانُ، مِنْ شَاطَ يَشِيطُ، لَقَالَ أَيُّمَا شَائِطٍ، وَلَكِنَّهُ قَالَ أَيُّمَا شَاطِنٍ، لِأَنَّهُ مِنْ شَطَنَ يَشْطُنُ، فَهُوَ شَاطِنٌ

الصفحة 109