كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 1)

وَصْفُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ نَفْسَهُ فِي قَوْلِهِ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] ، مَعَ قُرْبِ مَكَانِ إِحْدَى الْآيَتَيْنِ مِنَ الْأُخْرَى وَمُجَاوَرَتِهَا لِصَاحِبَتِهَا؟ بَلْ ذَلِكَ لَنَا حُجَّةٌ عَلَى خَطَأِ دَعْوَى مَنِ ادَّعَى أَنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ آيَةٌ , إِذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَكَانَ ذَلِكَ إِعَادَةَ آيَةٍ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَلَفْظٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا. وَغَيْرُ مَوْجُودٌ فِي شَيْءٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ آيَتَانِ مُتَجَاوَرَتَانِ مُكَرَّرَتَانِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَمَعْنًى وَاحِدٍ، لَا فَصْلَ بَيْنَهُمَا مِنْ كَلَامٍ يُخَالِفُ مَعْنَاهُ مَعْنَاهُمَا، وَإِنَّمَا يَأْتِي بِتَكْرِيرِ آيَةٍ بِكَمَالِهَا فِي السُّورَةِ الْوَاحِدَةِ، مَعَ فُصُولٍ تَفْصِلُ بَيْنَ ذَلِكَ، وَكَلَامٍ يُعْتَرَضُ بِهِ بِغَيْرِ مَعْنَى الْآيَاتِ الْمُكَرَّرَاتِ أَوْ غَيْرُ أَلْفَاظِهَا، وَلَا فَاصِلَ بَيْنَ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] مِنْ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] ، وَقَوْلُ اللَّهِ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] ، مِنْ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] فَاصِلٌ بَيْنَ ذَلِكَ. قِيلَ: قَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، وَقَالُوا: إِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمُؤَخَّرِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيمُ، وَإِنَّمَا هُو: الْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مَلَكِ يَوْمِ الدِّينِ. وَاسْتَشْهَدُوْا عَلَى صِحَّةِ مَا ادَّعَوْا مِنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) فَقَالُوا: إِنَّ قَوْلَهُ: (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) تَعْلِيمٌ مِنَ اللَّهِ عَبْدَهُ أَنْ يَصِفَهُ بِالْمَلِكِ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ (مَلَكَ) ، وَبِالْمَلِكِ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ {مَالِكِ} [آل عمران: 26] . قَالُوا: فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُجَاوِرُ وَصَفِهِ بِالْمُلْكِ أَوِ الْمَلِكِ مَا كَانَ نَظِيرُ ذَلِكَ مِنَ الْوَصْفِ، وَذَلِكَ هُوَ قَوْلُهُ

الصفحة 148