كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 1)

إِضَافَتِهِ إِلَى كُلِّ جِنْسٍ مِنْهَا سَبِيلُ مَا وَصَفْنَا مِنَ الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ، وَالدَّوَاةِ وَالْقَلَمِ الَّتِي اتَّفَقَتْ أَلْسُنُ الْفُرْسِ وَالْعَرَبِ فِيهَا بِالْأَلْفَاظِ الْوَاحِدَةِ، وَالْمَعْنَى الْوَاحِدِ، فِي أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ إِضَافَتَهُ إِلَى كُلِّ جِنْسٍ مِنْ تِلْكِ الْأَجْنَاسِ بِاجْتِمَاعٍ وَافْتِرَاقٍ. وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى مَنْ رَوَيْنَا عَنْهُ الْقَوْلَ فِي الْأَحْرُفِ الَّتِي مَضَتْ فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ، مِنْ نِسْبَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضَ ذَلِكَ إِلَى لِسَانِ الْحَبَشَةِ، وَنَسَبَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضَ ذَلِكَ إِلَى لِسَانِ الْفُرْسِ، وَنَسَبَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضَ ذَلِكَ إِلَى لِسَانِ الرُّومِ، لِأَنَّ مَنْ نَسَبَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إِلَى مَا نَسَبَهُ إِلَيْهِ، لَمْ يَنْفِ بِنِسْبَتِهِ إِيَّاهُ إِلَى مَا نَسَبُهُ إِلَيْهِ، أَنْ يَكُونَ عَرَبِيًّا، وَلَا مَنْ قَالَ مِنْهُمْ: هُوَ عَرَبِيٌّ نَفَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِقًّا النِّسْبَةَ إِلَى مَنْ هُوَ مِنْ كَلَامِهِ مِنْ سَائِرِ أَجْنَاسِ الْأُمَمِ غَيْرِهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْإِثْبَاتُ دَلِيلًا عَلَى النَّفْيِ فِيمَا لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُ مِنَ الْمَعَانِي كَقَوْلِ الْقَائِلِ: فُلَانٌ قَائِمٌ، فَيَكُونُ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ دَالًا عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ قَاعِدٍ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، مِمَّا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهُ لِتَنَافِيهِمَا. فَأَمَّا مَا جَازَ اجْتِمَاعُهُ، فَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْمَعْنَى، وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: فُلَانٌ قَائِمٌ مُكَلَّمٌ فُلَانًا، فَلَيْسَ فِي تَثْبِيتِ الْقِيَامِ لَهُ مَا دَلَّ عَلَى نَفْيِ كَلَامٍ آخَرَ لِجَوَازِ اجْتِمَاعِ ذَلِكَ فِي حَالٍ وَاحِدٍ، مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ، فَقَائِلُ ذَلِكَ صَادِقٌ، إِذَا كَانَ صَاحِبُهُ عَلَى مَا وَصَفَهُ بِهِ. فَكَذَلِكَ مَا قُلْنَا فِي الْأَحْرُفِ الَّتِي ذَكَرْنَا وَمَا أَشْبَهَهَا غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ أَنْ يَكُونَ عَرَبِيًّا بَعْضَهَا أَعْجَمِيًّا، وَحَبَشِيًّا بَعْضَهَا عَرَبِيًّا، إِذْ كَانَ مَوْجُودًا اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ فِي كِلْتَا الْأُمَّتَيْنِ، فَنَاسِبُ مَا نَسَبَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى إِحْدَى الْأُمَّتَيْنِ، أَوْ كِلْتَيْهِمَا، مُحِقٌّ غَيْرُ مُبْطِلٍ.

الصفحة 17