كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 1)

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانَ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ أَبِي عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§أُمِرْتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، كُلٌّ كَافٍّ شَافٍ»
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ الْغِفَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْعَالِيَةِ، قَالَ: «قَرَأَ عَلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُلِّ خَمْسٍ رَجُلٌ، §فَاخْتَلَفُوا فِي اللُّغَةِ، فَرَضِيَ قِرَاءَتَهُمْ كُلِّهِمْ، فَكَانَ بَنُو تَمِيمٍ أَعْرَبَ الْقَوْمِ»
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ الْعُثْمَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ §هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا وَلَا حَرَجَ، وَلَكِنْ لَا تَخْتِمُوا ذِكْرَ رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ، وَلَا ذِكْرَ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْحَجَّاجِ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ -[41]- جُحَادَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلُ، وَهُوَ بِأَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ، فَقَالَ: «إِنَّ §اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ» قَالَ: فَقَالَ: " أَسْأَلُ اللَّهَ مَغْفِرَتَهُ وَمُعَافَاتَهُ أَوْ قَالَ: مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ سَلِ اللَّهَ لَهُمُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّهُمْ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ "، فَانْطَلَقَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفَيْنِ» قَالَ: " أَسْأَلُ اللَّهَ مَغْفِرَتَهُ وَمُعَافَاتَهُ أَوْ قَالَ: مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ إِنَّهُمْ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ فَسَلِ اللَّهَ لَهُمُ التَّخْفِيفَ ". فَانْطَلَقَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ» فَقَالَ: " أَسْأَلُ اللَّهَ مَغْفِرَتَهُ وَمُعَافَاتَهُ أَوْ قَالَ: مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ إِنَّهُمْ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، سَلِ اللَّهَ لَهُمُ التَّخْفِيفَ "، فَانْطَلَقَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَمَنْ قَرَأَ مِنْهَا بِحَرْفٍ فَهُوَ كَمَا قَرَأَ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: صَحَّ وَثَبَتَ، أَنَّ الَّذِيَ نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ أَلْسُنِ الْعَرَبِ، الْبَعْضُ مِنْهَا دُونَ الْجَمِيعِ، إِذْ كَانَ مَعْلُومًا أَنْ أَلْسُنَتَهَا وَلُغَاتَهَا أَكْثَرُ مِنْ سَبْعَةٍ، بِمَا يَعْجَزُ عَنْ إِحْصَائِهِ. فَإِنْ قَالَ: وَمَا بُرْهَانُكَ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ» وَقَوْلِهِ: «أُمِرْتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ» هُوَ مَا ادَّعَيْتَهُ، مِنْ أَنَّهُ -[42]- نَزَلَ بِسَبْعِ لُغَاتٍ، وَأُمِرَ بِقِرَاءَتِهِ عَلَى سَبْعَةِ أَلْسُنٍ، دُونَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ، مَا قَالَهُ مُخَالِفُوكَ، مِنْ أَنَّهُ نَزَلَ بِأَمْرٍ، وَزَجْرٍ، وَتَرْغِيبٍ، وَتَرْهِيبٍ، وَقَصَصٍ، وَمَثَلٍ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، مِنَ الْأَقْوَالِ فَقَدْ عَلِمْتَ قَائِلِي ذَلِكَ، مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ، وَخِيَارِ الْأَئِمَّةِ. قِيلَ لَهُ: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ، لَمْ يَدَّعُوا أَنْ تَأْوِيلَ الْأَخْبَارِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهَا، هُوَ مَا زَعَمْتَ أَنَّهُمْ قَالُوهُ فِي الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ دُونَ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ لِقَوْلِنَا مُخَالِفًا، وَإِنَّمَا أَخْبَرُوا أَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، يَعْنُونَ بِذَلِكَ أَنَّهُ نَزَلَ عَلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ، وَالَّذِي قَالُوهُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالُوا، وَقَدْ رَوَيْنَا بِمِثْلِ الَّذِي قَالُوا مِنْ ذَلِكَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، أَخْبَارًا قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا بَعْضَهَا، وَسَنَسْتَقْصِي ذِكْرَ بَاقِيهَا بِبَيَانِهِ، إِذَا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَأَمَّا الَّذِي قَدْ تَقَدَّمَ وَذَكَرْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ، فَخَبَرُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلِ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، الَّذِي ذَكَرَ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ مِنْ سَبْعَةِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ» وَالسَّبْعَةُ الْأَحْرُفُ، هُوَ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ الْأَلْسُنُ السَّبْعَةُ، وَالْأَبْوَابُ السَّبْعَةُ مِنَ الْجَنَّةِ، هِيَ الْمَعَانِي الَّتِي فِيهَا مِنَ الْأَمْرِ، وَالنَّهْيِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالتَّرْهِيبِ، وَالْقَصَصِ، وَالْمَثَلِ، الَّتِي إِذَا عَمِلَ بِهَا الْعَامِلُ وَانْتَهَى إِلَى حُدُودِهَا الْمُنْتَهَى، اسْتَوْجَبَ بِهِ الْجَنَّةَ. وَلَيْسَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ، خِلَافٌ لِشَيْءٍ مِمَّا قُلْنَاهُ، -[43]- وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ» ، إِنَّمَا هُوَ أَنَّهُ نَزَلَ بِسَبْعِ لُغَاتٍ، كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا مِنَ الرِّوَايَاتِ الثَّابِتَةِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَسَائِرِ مَنْ قَدْ قَدَّمْنَا الرِّوَايَةَ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ، أَنَّهُمْ تَمَارَوْا فِي الْقُرْآنِ فَخَالَفَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي التِّلَاوَةِ، دُونَ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَعَانِي، وَأَنَّهُمُ احْتَكَمُوا فِيهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَقْرَأَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ صَوَّبَ جَمِيعَهُمْ فِي قِرَاءَتِهِمْ عَلَى اخْتِلَافِهَا، حَتَّى ارْتَابَ بَعْضُهُمْ لِتَصْوِيبِهِ إِيَّاهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِلَّذِي ارْتَابَ مِنْهُمْ، عِنْدَ تَصْوِيبِهِ جَمِيعَهُمْ: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَمَارِيَهُمْ فِيمَا تَمَارَوْا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ، لَوْ كَانَ تَمَارِيًا وَاخْتِلَافًا فِيمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ تِلَاوَاتَهُمْ مِنَ التَّحْلِيلِ، وَالتَّحْرِيمِ، وَالْوَعْدِ، وَالْوَعِيدِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، لَكَانَ مُسْتَحِيلًا أَنْ يُصَوِّبَ جَمِيعَهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَأْمُرَ كُلَّ قَارِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يَلْزَمَ قِرَاءَتَهُ فِي ذَلِكَ، عَلَى النَّحْوِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ أَمَرَ بِفِعْلِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، وَفَرْضِهِ فِي تِلَاوَةِ مَنْ دَلَّتْ تِلَاوَتُهُ عَلَى فَرْضِهِ، وَنَهَى عَنْ فِعْلِ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ وَزَجَرَ عَنْهُ فِي تِلَاوَةِ الَّذِي دَلَّتْ تِلَاوَتُهُ عَلَى وَالزَّجْرِ عَنْهُ، وَأَبَاحَ وَأَطْلَقَ فِعْلَ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ، وَجَعَلَ لِمَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يَفْعَلَهُ فِعْلَهُ، وَلِمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ أَنْ يَتْرُكَهُ تَرْكَهُ، فِي تِلَاوَةِ مَنْ دَلَّتْ تِلَاوَتُهُ عَنِ التَّخْيِيرِ. وَذَلِكَ مِنْ قَائِلِهِ إِنْ قَالَهُ إِثْبَاتُ مَا قَدْ نَفَى اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ تَنْزِيلِهِ وَحُكْمِ -[44]- كِتَابِهِ، فَقَالَ: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] وَفِي نَفْيِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ذَلِكَ عَنْ حُكْمِ كِتَابِهِ، أَوْضَحُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُنَزِّلْ كِتَابَهُ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا بِحُكْمٍ وَاحِدٍ مُتَّفَقٍ فِي جَمِيعِ خَلْقِهِ، لَا بِأَحْكَامٍ فِيهِمْ مُخْتَلِفَةٍ. وَفِي صِحَّةِ كَوْنِ ذَلِكَ كَذَلِكَ، مَا يُبْطِلُ دَعْوَى مَنِ ادَّعَى خِلَافَ قَوْلِنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ» ، لِلَّذِينَ تَخَاصَمُوا إِلَيْهِ، عِنْدَ اخْتِلَافِهِمْ فِي قِرَاءَتِهِمْ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ أَمَرَ جَمِيعَهُمْ بِالثُّبُوتِ عَلَى قِرَاءَتِهِ، وَرَضِيَ قِرَاءَةَ كُلِّ قَارِئٍ مِنْهُمْ، عَلَى خِلَافِهَا قِرَاءَةَ خُصُومِهِ وَمُنَازِعِيهِ فِيهَا وَصَوَّبَهَا. وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ تَصْوِيبًا فِيمَا اخْتَلَفَتْ فِيهِ الْمَعَانِي، وَكَانَ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُنْزِلَ عَلَيَّ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ» ، إِعْلَامًا مِنْهُ لَهُمْ أَنَّهُ نَزَلَ بِسَبْعَةِ أَوْجُهٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَسَبْعَةِ مُعَانٍ مُفْتَرِقَةٍ، كَانَ ذَلِكَ إِثْبَاتًا لِمَا قَدْ نَفَى اللَّهُ عَنْ كِتَابِهِ مِنَ الِاخْتِلَافِ، وَنَفْيًا لِمَا قَدْ أَوْجَبَ لَهُ مِنَ الِائْتِلَافِ. مَعَ أَنَّ فِيَ قِيَامِ الْحُجَّةِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَقْضِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ، فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِحُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَلَا أَذِنَ بِذَلِكَ لِأُمَّتِهِ، مَا يُغْنِي عَنِ الْإِكْثَارِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَنْفِيٌّ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ، وَفِي انْتِفَاءِ ذَلِكَ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ وجُوبُ صِحَّةِ الْقَوْلِ الَّذِي قُلْنَاهُ فِي مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ» عِنْدَ اخْتِصَامِ الْمُخْتَصِمِينَ إِلَيْهِ، فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ تِلَاوَةِ مَا تَلَوْهُ مِنَ الْقُرْآنِ، وَفَسَادُ تَأْوِيلِ قَوْلِ مَنْ خَالَفَ قَوْلُنَا فِي ذَلِكَ، -[45]- وَأخرَى أَنَّ الَّذِينَ تَمَارَوْا فِيمَا تَمَارَوْا فِيهِ مِنْ قِرَاءَتِهِمْ، فَاحْتَكَمُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَكُنْ مُنْكَرًا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، أَنْ يَأْمُرَ اللَّهَ عِبَادَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي كِتَابِهِ وَتَنْزِيلِهِ، بِمَا شَاءَ، وَيَنْهَى عَمَّا شَاءَ، وَيَعِدُ فِيمَا أَحَبَّ مِنْ طَاعَاتِهِ، وَيُوعِدُ عَلَى مُعَاصِيهِ، وَيَحْتَجُّ لِنَبِيِّهِ، وَيَعِظُهُ فِيهِ، وَيَضْرِبُ فِيهِ لِعِبَادِهِ الْأَمْثَالَ، فَيُخَاصِمُ غَيْرَهُ عَلَى إِنْكَارِهِ سَمَاعَ ذَلِكَ مِنْ قَارِئِهِ. بَلْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِذَلِكَ كُلِّهِ كَانَ إِسْلَامُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ، فَمَا الْوَجْهُ الَّذِي أَوْجَبَ لَهُ إِنْكَارَهُ مَا أَنْكَرَ إِنْ لَمْ يَكُنْ كَانَ ذَلِكَ اخْتِلَافًا مِنْهُمْ فِي الْأَلْفَاظِ وَاللُّغَاتِ؟ وَبَعْدُ، فَقَدْ أَبَانَ صِحَّةَ مَا قُلْنَا الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصًّا، وَذَلِكَ الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَا

الصفحة 40