كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 1)
§وَأَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: {فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 35] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ فَتَكُونَا مِنَ الْمُتَعَدِّينَ إِلَى غَيْرِ مَا أُذِنَ لَهُمْ وَأُبِيحَ لَهُمْ فِيهِ. وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ أَنَّكُمَا إِنْ قَرُبْتُمَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ كُنْتُمَا عَلَى مِنْهَاجِ مَنْ تَعَدَّى حُدُودِي وَعَصَى أَمْرِي وَاسْتَحَلَّ مَحَارِمِي؛ لِأَنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ وَأَصْلُ الظُّلْمِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَمِنْهُ قَوْلُ نَابِغَةِ بَنِي ذُبْيَانَ:
[البحر البسيط]
إِلَّا الْأُوَارِيَّ لَأْيًا مَا أُبَيِّنُهَا ... وَالنُّؤْيُ كَالْحَوْضِ بِالْمَظْلُومَةِ الْجَلَدِ
فَجَعَلَ الْأَرْضَ مَظْلُومَةً، لِأَنَّ الَّذِي حَفَرَ فِيهَا النَّوَى حَفَرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْحَفْرِ، فَجَعَلَهَا مَظْلُومَةً لِوَضْعِ الْحُفْرَةِ مِنْهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ قُمَيْئَةَ فِي صِفَةِ غَيْثٍ:
[البحر الكامل]
ظَلَمَ الْبِطَاحَ بِهَا انْهِلَالُ حَرِيصَةٍ ... فَصَفَا النِّطَافُ لَهُ بُعَيْدَ الْمُقْلَعِ
الصفحة 559