كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 1)

مَعْنَى الْعَامِّ، وَأَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ أَيْضًا كَذَلِكَ إِلَى وَقْتٍ يَطُولُ اسْتِمْتَاعُ بَنِي آدَمَ وَبَنِي إِبْلِيسَ بِهَا، وَذَلِكَ إِلَى أَنْ تُبَدَّلَ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِالْآيَةِ لِمَا وَصَفْنَا، فَالْوَاجِبُ إِذًا أَنْ يَكُونَ تَأْوِيلُ الْآيَةِ: وَلَكِنْ فِي الْأَرْضِ مَنَازِلُ وَمَسَاكِنُ، تَسْتَقِرُّونَ فِيهَا اسْتِقْرَارَكُمْ كَانَ فِي السَّمَوَاتِ، وَفِي الْجَنَّاتِ فِي مَنَازِلِكُمْ مِنْهَا، وَاسْتِمْتَاعٌ مِنْكُمْ بِهَا وَبِمَا أَخْرَجَتْ لَكُمْ مِنْهَا، وَبِمَا جَعَلْتُ لَكُمْ فِيهَا مِنَ الْمَعَاشِ وَالرِّيَاشِ وَالزَّيْنِ وَالْمَلَاذِ، وَبِمَا أَعْطَيْتُكُمْ عَلَى ظَهْرِهَا أَيَّامَ حَيَاتِكُمْ وَمِنْ بَعْدِ وَفَاتِكُمْ لِأَرْمَاسِكُمْ وَأَجْدَاثِكُمْ، تُدْفَنُونَ فِيهَا وَتَبْلُغُونَ بِاسْتِمْتَاعِكُمْ بِهَا إِلَى أَنْ أُبْدِلَكُمْ بِهَا غَيْرَهَا
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى. {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 38] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ:
§أَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: {فَتَلَقَّى آدَمُ} [البقرة: 37] فَقِيلَ إِنَّهُ أَخَذَ وَقَبِلَ، وَأَصْلُهُ التَّفَعُّلَ مِنَ اللِّقَاءِ كَمَا يَتَلَقَّى الرَّجُلُ الرَّجُلَ يَسْتَقْبِلُهُ عِنْدَ قُدُومِهِ مِنْ غِيبَةٍ أَوْ سَفَرٍ، فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {فَتَلَقَّى} [البقرة: 37] كَأَنَّهُ اسْتَقْبَلَهُ فَتَلَقَّاهُ بِالْقَبُولِ، حِينَ أَوْحَى إِلَيْهِ، أَوْ أَخْبَرَ بِهِ. فَمَعْنَى ذَلِكَ إِذًا: فَلَقَّى اللَّهُ آدَمَ كَلِمَاتِ تَوْبَةٍ فَتَلَقَّاهَا آدَمُ مِنْ رَبِّهِ وَأَخَذَهَا عَنْهُ تَائِبًا فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِقِيلِهِ إِيَّاهَا وَقَبُولِهِ إِيَّاهَا مِنْ رَبِّهِ
كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: " فِي قَوْلِهِ: {§فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة: 37] الْآيَةُ. قَالَ: لَقَّاهُمَا هَذِهِ الْآيَةَ: {رَبَّنَا -[580]- ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23] " وَقَدْ قَرَأَ بَعْضُهُمْ: (فَتَلَقَّى آدَمَ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٌ) فَجَعَلَ الْكَلِمَاتِ هِيَ الْمُتَلَقِيَّةُ آدَمَ. وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ وِجْهَةِ الْعَرَبِيَّةِ جَائِزًا إِذْ كَانَ كُلُّ مَا تَلَقَّاهُ الرَّجُلُ فَهُوَ لَهُ مُتَلَقٍّ وَمَا لَقِيَهُ فَقَدْ لَقِيَهُ، فَصَارَ لِلْمُتَكَلِّمِ أَنْ يُوَجِّهَ الْفِعْلَ إِلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وَيُخْرِجُ مِنَ الْفِعْلِ أَيَّهُمَا أَحَبَّ، فَغَيْرُ جَائِزٍ عِنْدِي فِي الْقِرَاءَةِ إِلَّا رَفْعَ آدَمَ عَلَى أَنَّهُ الْمُتَلَقِّي الْكَلِمَاتِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ وَأَهْلِ التَّأْوِيلِ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَى تَوْجِيهِ التَّلَقِّي إِلَى آدَمَ دُونَ الْكَلِمَاتِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا فِيمَا كَانَتْ عَلَيْهِ مُجْمِعَةً بِقَوْلِ مَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ السَّهْوُ وَالْخَطَأُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي أَعْيَانِ الْكَلِمَاتِ الَّتِي تَلَقَّاهَا آدَمُ مِنْ رَبِّهِ

الصفحة 579