كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 1)

قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الَّذِيَ احْتَجَّ بِهِ مِنَ الْحُجَجِ وَالْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا أَنْبَاءُ أَسْلَافِهِمْ وَأَخْبَارُ أَوَائِلِهِمْ، وَقَصَصِ الْأُمُورِ الَّتِي هُمْ بِعِلْمِهَا مَخْصُوصُونَ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ مِنَ الْعِلْمِ بِصِحَّتِهِ وَحَقِيقَتِهِ مِثْلُ الَّذِي لَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ بِهِ إِلَّا لِمَنِ اقْتَبَسَ عِلْمَ ذَلِكَ مِنْهُمْ. فَعَرَّفَهُمْ بِإِطْلَاعِ مُحَمَّدٍ عَلَى عِلْمِهَا مَعَ بُعْدِ قَوْمِهِ وَعَشِيرَتِهِ مِنْ مَعْرِفَتِهَا، وَقِلَّةِ مُزَاوَلَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِرَاسَةَ الْكُتُبِ الَّتِي فِيهَا أَنْبَاءُ ذَلِكَ، أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَصِلْ إِلَى عِلْمِ ذَلِكَ إِلَّا بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ وَتَنْزِيلٍ مِنْهُ ذَلِكَ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمْ مَنْ عَلِمَ صِحَّةَ ذَلِكَ بِمَحَلٍّ لَيْسَ بِهِ مِنَ الْأُمَمِ غَيْرُهُمْ. فَلِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَصَّ بِقَوْلِهِ: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [البقرة: 40] خِطَابَهُمْ
كَمَا حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " قَوْلُهُ: {§يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [البقرة: 40] قَالَ: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِلْأَحْبَارِ مِنْ يَهُودَ "
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 40] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَنِعْمَتُهُ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ جَلَّ ذِكْرُهُ اصْطِفَاؤُهُ مِنْهُمُ الرُّسُلَ، وَإِنْزَالُهُ عَلَيْهِمُ الْكُتُبَ، وَاسْتِنْقَاذُهُ إِيَّاهُمْ مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ وَالضَّرَّاءِ مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، إِلَى التَّمْكِينِ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ، وَتَفْجِيرِ عُيُونِ الْمَاءِ مِنَ الْحَجَرِ، وَإِطْعَامِ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى. فَأَمَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَعْقَابَهُمْ أَنْ يَكُونَ مَا سَلَفَ مِنْهُ إِلَى آبَائِهِمْ عَلَى ذِكْرٍ، وَأَنْ لَا يَنْسَوْا صَنِيعَهُ إِلَى أَسْلَافِهِمْ وَآبَائِهِمْ، فَيُحِلُّ بِهِمْ مِنَ النِّقَمِ مَا أَحَلَّ بِمَنْ نَسِيَ نِعَمَهُ عِنْدَهُ مِنْهُمْ -[595]- وَكَفَرَهَا وَجَحَدَ صَنَائِعَهُ عِنْدَهُ

الصفحة 594