كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 1)

§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبِرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ:
§يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبِرِ} [البقرة: 45] اسْتَعِينُوا عَلَى الْوَفَاءِ بِعَهْدِي الَّذِي عَاهَدْتُمُونِي فِي كِتَابِكُمْ، مِنْ طَاعَتِي وَاتِّبَاعِ أَمْرِي، وَتَرْكِ مَا تَهْوَوْنَهُ مِنَ الرِّيَاسَةِ وَحُبِّ الدُّنْيَا إِلَى مَا تَكْرَهُونَهُ مِنَ التَّسْلِيمِ لِأَمْرِي، وَاتِّبَاعِ رَسُولِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِالصَّبِرِ عَلَيْهِ وَالصَّلَاةِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى الصَّبْرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الصَّوْمُ، وَالصَّوْمُ بَعْضُ مَعَانِي الصَّبْرِ عِنْدَنَا. بَلْ تَأْوِيلُ ذَلِكَ عِنْدَنَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَمَرَهُمْ بِالصَّبِرِ عَلَى مَا كَرِهَتْهُ نُفُوسُهُمْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَتَرْكِ مَعَاصِيهِ وَأَصْلُ الصَّبْرِ: مَنْعُ النَّفْسِ مَحَابَّهَا وَكَفُّهَا عَنْ هَوَاهَا وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلصَّابِرِ عَلَى الْمُصِيبَةِ: صَابِرٌ، لِكَفِّهِ نَفْسَهُ عَنِ الْجَزَعِ؛ وَقِيلَ لِشَهْرِ رَمَضَانَ: شَهْرُ الصَّبْرِ، لِصَبْرِ صَائِمِهِ عَنِ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ نَهَارًا، وَصَبْرُهُ إِيَّاهُمْ عَنْ ذَلِكَ: حَبْسُهُ لَهُمْ، وَكَفُّهُ إِيَّاهُمْ عَنْهُ، كَمَا يُصْبَرُ الرَّجُلُ الْمُسِيءُ لِلْقَتْلِ فَتَحْبِسُهُ عَلَيْهِ حَتَّى تَقْتُلَهُ. وَلِذَلِكَ قِيلَ: قَتَلَ فُلَانٌ فُلَانًا صَبْرًا، يَعْنِي بِهِ حَبَسَهُ عَلَيْهِ حَتَّى قَتَلَهُ، فَالْمَقْتُولُ مَصْبُورٌ، وَالْقَاتِلُ صَابِرٌ. وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَاهَا فِيمَا مَضَى

الصفحة 617