كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 1)
النُّونُ وَتُضِيفُ فِي الْأَسْمَاءِ الْمَبْنِيَّةِ مِنَ الْأَفْعَالِ إِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى فَعَلَ، فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى يَفْعَلُ وَفَاعِلٌ، فَشَأْنُهَا إِثْبَاتُ النُّونِ، وَتَرْكُ الْإِضَافَةِ. قِيلَ: لَا تَدَافُعَ بَيْنَ جَمِيعِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِلُغَاتِ الْعَرَبِ وَأَلْسُنِهَا فِي إِجَازَةِ إِضَافَةِ الِاسْمِ الْمَبْنِيِّ مِنْ فَعَلَ وَيَفْعَلُ، وَإِسْقَاطِ النُّونِ وَهُوَ بِمَعْنَى يَفْعَلُ وَفَاعِلٌ، أَعْنِي بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ وَحَالِ الْفِعْلِ وَلَمَّا يَنْقَضِ، فَلَا وَجْهَ لِمَسْأَلَةِ السَّائِلِ عَنْ ذَلِكَ: لِمَ قِيلَ؟ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أُضِيفَ وَأُسْقِطَتِ النُّونُ. فَقَالَ نَحْوِيُّو الْبَصْرَةِ: أُسْقِطَتِ النُّونُ مِنْ: {مُلَاقُو رَبِّهِمْ} [البقرة: 46] وَمَا أَشْبَهَهُ مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي فِي لَفْظِ الْأَسْمَاءِ وَهِيَ فِي مَعْنَى يَفْعَلُ وَفِي مَعْنَى مَا لَمْ يَنْقَضِ اسْتِثْقَالًا لَهَا، وَهِيَ مُرَادَةٌ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] وَكَمَا قَالَ: {إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ} [القمر: 27] وَلَمَّا يُرْسِلُهَا بَعْدُ؛ وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر البسيط]
هَلْ أَنْتَ بَاعِثُ دِينَارٍ لِحَاجَتِنَا ... أَوْ عَبْدَ رَبٍّ أَخَا عَوْنِ بْنِ مِخْرَاقِ
فَأَضَافَ بَاعِثًا إِلَى الدِّينَارِ، وَلَمَّا يُبْعَثْ، وَنَصَبَ عَبْدَ رَبٍّ عَطْفًا عَلَى مَوْضِعِ دِينَارٍ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ وَإِنْ خُفِضَ وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ:
[البحر المنسرح]
الْحَافِظُو عَوْرَةِ الْعَشِيرَةِ لَا ... يَأْتِيهِمْ مِنْ وَرَائِهِمْ نَطَفُ
الصفحة 626