كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 1)
لَا تَقْضِي عَنْهَا شَيْئًا لَزِمَهَا لِغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ هُنَالِكَ مِنَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ عَلَى مَا وَصَفْنَا. وَكَيْفَ يَقْضِي عَنْ غَيْرِهِ مَا لَزِمَهُ مَنْ كَانَ يَسُرُّهُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ وَالِدِهِ حَقٌّ، فَيَأْخُذَهُ مِنْهُ وَلَا يَتَجَافَى لَهُ عَنْهُ؟ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: {لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: 48] لَا تَجْزِي مِنْهَا أَنْ تَكُونَ مَكَانَهَا. وَهَذَا قَوْلٌ يَشْهَدُ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ عَلَى فَسَادِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْقُولٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ: مَا أَغْنَيْتَ عَنِّي شَيْئًا، بِمَعْنَى: مَا أَغْنَيْتَ مِنِّي أَنْ تَكُونَ مَكَانِي، بَلْ إِذَا أَرَادُوا الْخَبَرَ عَنْ شَيْءٍ أَنَّهُ لَا يَجْزِي مِنْ شَيْءٍ، قَالُوا لَا يَجْزِي هَذَا مِنْ هَذَا، وَلَا يَسْتَجِيزُونَ أَنْ يَقُولُوا: لَا يَجْزِي هَذَا مِنْ هَذَا شَيْئًا. فَلَوْ كَانَ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: {لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: 48] مَا قَالَهُ مَنْ حَكَيْنَا قَوْلَهُ لَقَالَ: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ} [البقرة: 48] كَمَا يُقَالُ: لَا تَجْزِي نَفْسٌ مِنْ نَفْسٍ، وَلَمْ يَقُلْ لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا: وَفِي صِحَّةِ التَّنْزِيلِ بِقَوْلِهِ: لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا أَوْضَحُ الدَّلَالَةِ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا وَفَسَادِ قَوْلِ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} [البقرة: 48] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالشَّفَاعَةُ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الرَّجُلِ: شَفَعَ لِي فُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ شَفَاعَةً، وَهُوَ طَلَبُهُ إِلَيْهِ فِي قَضَاءِ حَاجَتِهِ وَإِنَّمَا قِيلَ لِلشَّفِيعِ شَفِيعٌ وَشَافِعٌ لِأَنَّهُ ثَنَّى الْمُسْتَشْفَعُ بِهِ فَصَارَ لَهُ شَفْعًا، فَكَانَ ذُو الْحَاجَةِ قَبْلَ اسْتِشْفَاعِهِ بِهِ فِي حَاجَتِهِ فَرْدًا،
الصفحة 635