كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 1)
ثَنَاؤُهُ: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأعراف: 168] يَقُولُ: اخْتَبَرْنَاهُمْ، وَكَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: 35] ثُمَّ تُسَمِّي الْعَرَبُ الْخَيْرَ بَلَاءً وَالشَّرَّ بَلَاءً، غَيْرَ أَنَّ الْأَكْثَرَ فِي الشَّرِّ أَنْ يُقَالَ: بَلَوْتُهُ أَبْلُوهُ بَلَاءً، وَفِي الْخَيْرِ: أَبْلَيْتُهُ أَبْلِيهِ إِبْلَاءً وَبَلَاءً؛ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى:
جَزَى اللَّهُ بِالْإِحْسَانِ مَا فَعَلَا بِكُمْ ... وَأَبْلَاهُمَا خَيْرَ الْبَلَاءِ الَّذِي يَبْلُو
فَجَمَعَ بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ لِأَنَّهُ أَرَادَ: فَأَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا خَيْرَ النِّعَمِ الَّتِي يَخْتَبِرُ بِهَا عِبَادَهُ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [البقرة: 50]
§أَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ} [البقرة: 50] فَإِنَّهُ عَطْفٌ عَلَى: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ} [البقرة: 49] بِمَعْنَى: وَاذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ، وَاذْكُرُوا إِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {فَرَقْنَا بِكُمُ} [البقرة: 50] فَصَلْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ سِبْطًا، فَفَرَقَ الْبَحْرَ اثْنَيْ عَشَرَ طَرِيقًا، فَسَلَكَ كُلُّ سِبْطٍ مِنْهُمْ طَرِيقًا مِنْهَا. فَذَلِكَ فَرْقُ اللَّهِ بِهِمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْبَحْرَ، وَفَصْلُهُ بِهِمْ بِتَفْرِيقِهِمْ فِي طَرِيقِ الِاثْنَيْ عَشَرَ
كَمَا حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ: «§لَمَّا أَتَى مُوسَى الْبَحْرَ كَنَّاهُ أَبَا خَالِدٍ، وَضَرَبَهُ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ -[655]- الْعَظِيمِ، فَدَخَلِتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَكَانَ فِي الْبَحْرِ اثْنَا عَشَرَ طَرِيقًا فِي كُلِّ طَرِيقٍ سِبْطٌ» وَقَدْ قَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} [البقرة: 50] فَرَقْنَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْمَاءِ: يُرِيدُ بِذَلِكَ: فَصَلْنَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ وَحَجَزْنَاهُ حَيْثُ مَرَرْتُمْ بِهِ. وَذَلِكَ خِلَافُ مَا فِي ظَاهِرِ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ فَرَقَ الْبَحْرَ بِالْقَوْمِ، وَلَمْ يُخْبِرْ أَنَّهُ فَرَقَ بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ الْبَحْرِ، فَيَكُونُ التَّأْوِيلُ مَا قَالَهُ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَفَرْقُهُ الْبَحْرَ بِالْقَوْمِ، إِنَّمَا هُوَ تَفْرِيقُهُ الْبَحْرَ بِهِمْ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنَ افْتِرَاقِ سَبِيلِهِ بِهِمْ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ
الصفحة 654