كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 1)
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ السُّدِّيُّ: «§فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ، ثُمَّ أَحْيَيْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ، وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ إِلَى إِحْيَائِنَا إِيَّاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ، ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ أَنْبِيَاءَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» وَزَعَمَ السُّدِّيُّ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمُقَدَّمِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّأْخِيرُ، وَالْمُؤَخَّرُ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيمُ.، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ، مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ يَدُلُّ ظَاهِرُ التِّلَاوَةِ عَلَى خِلَافِهِ مَعَ إِجْمَاعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى تَخْطِئَتِهِ. وَالْوَاجِبُ عَلَى تَأْوِيلِ السُّدِّيِّ الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 56] تَشْكُرُونِي عَلَى تَصْيِيرِي إِيَّاكُمْ أَنْبِيَاءَ. وَكَانَ سَبَبُ قِيلِهِمْ لِمُوسَى مَا أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة: 55]
مَا حَدَّثَنَا بِهِ، مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: " §لَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ، وَرَأَى مَا هُمْ فِيهِ مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ، وَقَالَ لِأَخِيهِ وَلِلسَّامِرِيِّ مَا قَالَ، وَحَرَّقَ الْعِجْلَ وَذَرَّاهُ فِي الْيَمِّ؛ اخْتَارَ مُوسَى مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلًا الْخَيِّرَ فَالْخَيِّرَ، وَقَالَ: انْطَلِقُوا إِلَى اللَّهِ -[694]- عَزَّ وَجَلَّ، فَتُوبُوا إِلَيْهِ مِمَّا صَنَعْتُمْ وَسَلُوهُ التَّوْبَةَ عَلَى مِنْ تَرَكْتُمْ وَرَاءَكُمْ مِنْ قَوْمِكُمْ، صُومُوا وَتَطَهَّرُوا وَطَهِّرُوا ثِيَابَكُمْ. فَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى طُورِ سَيْنَاءَ لِمِيقَاتٍ وَقَّتَهُ لَهُ رَبُّهُ، وَكَانَ لَا يَأْتِيهِ إِلَّا بِإِذْنٍ مِنْهُ وَعِلْمٍ. فَقَالَ لَهُ السَّبْعُونَ فِيمَا ذُكِرَ لِي حِينَ صَنَعُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَخَرَجُوا لِلِقَاءِ اللَّهِ: يَا مُوسَى اطْلُبْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ لَنَسْمَعُ كَلَامَ رَبِّنَا. فَقَالَ: أَفْعَلُ. فَلَمَّا دَنَا مُوسَى مِنَ الْجَبَلِ وَقَعَ عَلَيْهِ الْغَمَامُ حَتَّى تَغَشَّى الْجَبَلَ كُلَّهُ، وَدَنَا مُوسَى فَدَخَلَ فِيهِ، وَقَالَ لِلْقَوْمِ: ادْنُوَا. وَكَانَ مُوسَى إِذَا كَلَّمَهُ رَبُّهُ وَقَعَ عَلَى جَبْهَتِهِ نُورٌ سَاطِعٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَضَرَبَ دُونَهُ الْحِجَابَ. وَدَنَا الْقَوْمُ حَتَّى إِذَا دَخَلُوا فِي الْغَمَامِ وَقَعُوا سُجُودًا، فَسَمِعُوهُ وَهُوَ يُكَلِّمُ مُوسَى يَأْمُرُهُ وَيَنْهَاهُ: افْعَلْ وَلَا تَفْعَلْ. فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ أَمْرِهِ وَانْكَشَفَ عَنْ مُوسَى الْغَمَامُ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا لِمُوسَى: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ} [البقرة: 55] وَهِيَ الصَّاعِقَةُ فَمَاتُوا جَمِيعًا. وَقَامَ مُوسَى يُنَاشِدُ رَبَّهُ وَيَدْعُوهُ، وَيَرْغَبُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ: {رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ} [الأعراف: 155] قَدْ سَفِهُوا، أَفَتُهْلِكُ مَنْ وَرَائِي مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا تَفْعَلُ السُّفَهَاءُ مِنَّا؟ أَيْ أَنَّ هَذَا لَهُمْ هَلَاكٌ، اخْتَرْتُ مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلًا، الْخَيِّرَ فَالْخَيِّرَ أَرْجِعُ إِلَيْهِمْ، وَلَيْسَ مَعِي مِنْهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَمَا الَّذِي يُصَدِّقُونِي بِهِ أَوْ يَأْمَنُونِي عَلَيْهِ بَعْدَ هَذَا؟ {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} [الأعراف: 156] فَلَمْ يَزَلْ مُوسَى يُنَاشِدُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ -[695]- وَيَطْلُبُ إِلَيْهِ، حَتَّى رَدَّ إِلَيْهِمْ أَرْوَاحَهُمْ، فَطَلَبَ إِلَيْهِ التَّوْبَةَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ، فَقَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ يَقْتُلُوا أَنْفُسَهُمْ "
الصفحة 693
742