كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 1)

الَّذِي رَزَقْنَاكُمُوهُ. وَقَدْ قِيلَ عَنَى بِقَوْلِهِ: {مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 57] مِنْ حَلَالِهِ الَّذِي أَبَحْنَاهُ لَكُمْ، فَجَعَلْنَاهُ لَكُمْ رِزْقًا. وَالْأَوَّلُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ أَوْلَى بِالتَّأْوِيلِ لِأَنَّهُ وَصْفُ مَا كَانَ الْقَوْمُ فِيهِ مِنْ هَنِيءِ الْعَيْشِ الَّذِي أَعْطَاهُمْ، فَوَصْفُ ذَلِكَ بِالطَّيِّبِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى اللَّذَّةِ أَحْرَى مِنْ وَصْفِهِ بِأَنَّهُ حَلَالٌ مُبَاحٌ. وَمَا الَّتِي مَعَ رَزَقْنَاكُمْ بِمَعْنَى الَّذِي كَأَنَّهُ قِيلَ: كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ الرِّزْقِ الَّذِي رَزَقْنَاكُمُوهُ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [البقرة: 57] وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الَّذِي اسْتَغْنَى بِدَلَالَةِ ظَاهِرِهِ عَلَى مَا تُرِكَ مِنْهُ. وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ، فَخَالَفُوا مَا أَمَرْنَاهُمْ بِهِ وَعَصَوْا رَبَّهُمْ ثُمَّ رَسُولَنَا إِلَيْهِمْ، وَمَا ظَلَمُونَا. فَاكْتَفَى بِمَا ظَهَرَ عَمَّا تَرَكَ. وَقَوْلُهُ: {وَمَا ظَلَمُونَا} [البقرة: 57] يَقُولُ: وَمَا ظَلَمُونَا بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ وَمَعْصِيَتِهِمْ {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [البقرة: 57] وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: {وَمَا ظَلَمُونَا} [البقرة: 57] وَمَا وَضَعُوا فِعْلَهُمْ ذَلِكَ وَعِصْيَانَهُمْ إِيَّانَا مَوْضِعَ مَضَرَّةٍ عَلَيْنَا وَمَنْقَصَةٍ لَنَا، وَلَكِنَّهُمْ وَضَعُوهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ مَوْضِعَ مَضَرَّةٍ عَلَيْهَا وَمَنْقَصَةٍ لَهَا

الصفحة 711