كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 1)

وَذَلِكَ أَنَّ بِشْرَ بْنَ مُعَاذٍ الْعَقَدِيَّ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: " {§إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 17] يَقُولُ: حِفْظَهُ وَتَأْلِيفَهُ، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18] يَقُولُ: اتَّبِعْ حَلَالَهُ، وَاجْتَنِبْ -[92]- حَرَامَهُ " وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، بِمِثْلِهِ. فَرَأَى قَتَادَةُ أَنْ تَأْوِيلَ الْقُرْآنِ: التَّأْلِيفُ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَلِكِلَا الْقَوْلَيْنِ أَعْنِي قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَوْلَ قَتَادَةَ، اللَّذَيْنِ حَكَيْنَاهُمَا، وَجْهٌ صَحِيحٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. غَيْرَ أَنَّ أَوْلَى قَوْلَيْهِمَا بِتَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18] قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّ اللَّهَ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ أَمَرَ نَبِيَّهُ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ تَنْزِيلِهِ، بِاتِّبَاعِ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِي تَرْكِ اتِّبَاعِ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ، إِلَى وَقْتِ تَأْلِيفِهِ الْقُرْآنَ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18] نَظِيرُ سَائِرِ مَا فِي آيِ الْقُرْآنِ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ فِيهَا بِاتِّبَاعِ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي تَنْزِيلِهِ، وَلَوْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18] فَإِذَا أَلَّفْنَاهُ فَاتَّبِعْ مَا أَلَّفْنَا لَكَ فِيهِ، لَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ كَانَ لَزِمَهُ فَرْضُ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] وَلَا فَرْضُ {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر: 1] قَبْلَ أَنْ يُؤَلَّفَ إِلَى ذَلِكَ غَيْرُهُ مِنَ الْقُرْآنِ وَذَلِكَ إِنْ قَالَهُ قَائِلٌ خُرُوجٌ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْمِلَّةِ، -[93]- وَإِذَا صَحَّ أَنَّ حُكْمَ كُلِّ آيَةٍ مِنْ آيِ الْقُرْآنِ، كَانَ لَازِمًا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اتِّبَاعُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ، مُؤَلَّفَةٌ كَانَتْ إِلَى غَيْرِهَا، أَوْ غَيْرُ مُؤَلَّفَةٍ، صَحَّ مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18] أَنَّهُ يَعْنِي بِهِ: فَإِذَا بَيَّنَّاهُ لَكَ بِقِرَاءَتِنَا، فَاتَّبِعْ مَا بَيَّنَّاهُ لَكَ بِقِرَاءَتِنَا، دُونَ قَوْلِ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ فَإِذَا أَلَّفْنَاهُ فَاتَّبِعْ مَا أَلَّفْنَاهُ. وَقَدْ قِيلَ، إِنَّ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
[البحر البسيط]
ضَحَّوْا بِأَشْمَطَ عُنْوَانُ السُّجُودِ بِهِ ... يُقَطِّعُ اللَّيْلَ تَسْبِيحًا وقُرْآنَا
يَعْنِي بِهِ قَائِلُهُ: تَسْبِيحًا وَقِرَاءَةً. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى قُرْآنًا بِمَعْنَى الْقِرَاءَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَقْرُوءٌ؟ قِيلَ كَمَا جَازَ أَنْ يُسَمَّى الْمَكْتُوبُ كِتَابًا، بِمَعْنَى كِتَابُ الْكَاتِبِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ، فِي صِفَةِ كِتَابِ طَلَاقٍ، كَتَبَهُ لِامْرَأَتِهِ:
[البحر الوافر]
تُؤَمِّلُ رَجْعَةً مِنِّي وَفِيهَا ... كِتَابٌ مِثْلُ مَا لَصِقَ الْغِرَاءُ
يُرِيدُ: طَلَاقًا مَكْتُوبًا، فَجَعَلَ الْمَكْتُوبَ كِتَابًا. وَأَمَّا تَأْوِيلُ اسْمِهِ، الَّذِي هُوَ فُرْقَانٌ، فَإِنَّ تَفْسِيرَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ جَاءَ فِي ذَلِكَ بِأَلْفَاظٍ -[94]- مُخْتَلِفَةٍ، هِيَ فِي الْمَعَانِي مُؤْتَلِفَةٌ. فَقَالَ عِكْرِمَةُ فِيمَا

الصفحة 91