كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 1)

حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «§هُوَ النَّجَاةُ» وَكَذَلِكَ كَانَ السُّدِّيُّ يَتَأَوَّلُهُ. حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ غَيْرِهِمَا وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: الْفُرْقَانُ: الْمَخْرَجُ حَدَّثَنِي بِذَلِكَ يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَذَلِكَ كَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِي تَأْوِيلِهِ
حَدَّثَنَا بِذَلِكَ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: " {§يَوْمَ الْفُرْقَانِ} [الأنفال: 41] يَوْمَ فَرَقَ اللَّهُ فِيهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ " حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فَكُلُّ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ فِي مَعْنَى الْفُرْقَانِ، عَلَى اخْتِلَافِ أَلْفَاظِهَا مُتَقَارِبَاتُ الْمَعَانِي، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ جُعِلَ لَهُ مَخْرَجٌ مِنْ أَمْرٍ كَانَ فِيهِ فَقَدْ جُعِلَ ذَلِكَ الْمَخْرَجُ مِنْهُ -[95]- نَجَاةً، وَكَذَلِكَ إِذَا نَجَى مِنْهُ فَقَدْ نُصِرَ عَلَى مَنْ بَغَاهُ فِيهِ سُوءًا، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَاغِيهِ بِالسُّوءِ. فَجَمِيعُ مَا رَوَيْنَا عَمَّنْ رَوَيْنَا عَنْهُ فِي مَعْنَى الْفُرْقَانِ قَوْلٌ صَحِيحُ الْمَعْنَى، لِاتِّفَاقِ مَعَانِي أَلْفَاظِهِمْ فِي ذَلِكَ. وَأَصْلُ الْفُرْقَانِ عِنْدَنَا: الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، وَالْفَصْلُ بَيْنَهُمَا وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِقَضَاءٍ، وَاسْتِنْقَاذٍ، وَإِظْهَارِ حُجَّةٍ، وَتَصَرُّفٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَانِي الْمُفَرِّقَةِ بَيْنَ الْمُحِقِّ وَالْمُبْطِلِ. فَقَدْ تَبَيَّنَ بِذَلِكَ، أَنَّ الْقُرْآنَ سُمِّيَ فُرْقَانًا، لِفَصْلِهِ بِحُجَّتِهِ وَأَدِلَّتِهِ وَحُدُودِهِ وَفَرَائِضِهِ وَسَائِرِ مَعَانِي حُكْمِهِ، بَيْنَ الْمُحِقِّ وَالْمُبْطِلِ، وَفُرْقَانُهُ بَيْنَهُمَا بِنَصْرِهِ الْمُحِقَّ وَتَخْذِيلِهِ الْمُبْطِلَ، حُكْمًا وَقَضَاءً. وَأَمَّا تَأْوِيلُ اسْمِهِ الَّذِي هُوَ الْكِتَابُ فَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِكَ كَتَبْتُ كِتَابًا، كَمَا تَقُولُ قُمْتُ قِيَامًا، وَحَسِبْتُ الشَّيْءَ حِسَابًا، وَالْكِتَابُ هُوَ خَطُّ الْكَاتِبِ حُرُوفَ الْمُعْجَمِ، مَجْمُوعَةً وَمُفْتَرِقَةً، وَسُمِّيَ كِتَابًا وَإِنَّمَا هُوَ مَكْتُوبٌ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ فِي الْبَيْتِ الَّذِي اسْتَشْهَدْنَا بِهِ:
[البحر الوافر]
. . . . . . . . . . وَفِيهَا كِتَابٌ مِثْلُ مَا لَصِقَ الْغِرَاءُ.
-[96]- يَعْنِي بِهِ مَكْتُوبًا. وَأَمَّا تَأْوِيلُ اسْمِهِ الَّذِي هُوَ الذِّكْرُ، فَإِنَّهُ مُحْتَمِلٌ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ذِكْرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ، ذَكَّرَ بِهِ عِبَادَهُ، فَعَرَّفَهُمْ فِيهِ حُدُودَهُ وَفَرَائِضَهُ، وَسَائِرَ مَا أَوْدَعَهُ مِنْ حُكْمِهِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ ذِكْرٌ وَشَرَفٌ وَفَخْرٌ لِمَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَ بِمَا فِيهِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف: 44] يَعْنِي بِهِ أَنَّهُ شَرَفٌ لَهُ وَلِقَوْمِهِ. ثُمَّ لِسُوَرٍ الْقُرْآنِ أَسْمَاءٌ سَمَّاهَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الصفحة 94