كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 2)
وَيَدَعْ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ سُنَّةِ عِيسَى وَالْإِنْجِيلِ كَانَ هَالِكًا
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا} [البقرة: 62] الْآيَةُ. قَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أُولَئِكَ النَّصَارَى وَمَا رَأَى مِنْ أَعْمَالِهِمْ، قَالَ: لَمْ يَمُوتُوا عَلَى الْإِسْلَامِ. قَالَ سَلْمَانُ: فَأَظْلَمَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ. وَذَكَرَ اجْتِهَادَهُمْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَدَعَا سَلْمَانَ فَقَالَ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَصْحَابِكَ» ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§مَنْ مَاتَ عَلَى دِينِ عِيسَى وَمَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ بِي فَهُوَ عَلَى خَيْرٍ وَمَنْ سَمِعَ بِيَ الْيَوْمَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِي فَقَدْ هَلَكَ»
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " قَوْلُهُ: {إِنَّ §الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ} [البقرة: 62] إِلَى قَوْلِهِ: {وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62] . فَأَنْزَلَ -[46]- اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85] " وَهَذَا الْخَبَرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَرَى أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ كَانَ قَدْ وَعَدَ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ عَلَى عَمَلِهِ فِي الْآخِرَةِ الْجَنَّةَ، ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] . فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْ مُجَاهِدٍ وَالسُّدِّيِّ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62] . وَالَّذِي قُلْنَا مِنَ التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ أَشْبَهُ بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يُخَصِّصْ بِالْأَجْرِ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ مَعَ الْإِيمَانِ بَعْضَ خَلْقِهِ دُونَ بَعْضٍ مِنْهُمْ، وَالْخَبَرُ بِقَوْلِهِ: {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة: 62] عَنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ
الصفحة 45