كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 2)

يُقَالَ إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِيمَا قَالُوهُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الدَّلِيلَ مِنْ ظَاهِرِ كِتَابِ اللَّهِ مَوْجُودٌ بِخِلَافِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، وَهُوَ مَا وَصَفْنَا. فَإِنْ كَانَ جَائِزًا أَنْ تَكُونَ الْبَهَائِمُ وَسَائِرُ خَلْقِ اللَّهِ تَلْعَنُ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَعْتِهِ وَنُبُوَّتِهِ، بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِهِ، وَتَلْعَنُ مَعَهُمْ جَمِيعَ الظَّلَمَةَ، فَغَيْرُ جَائِزٍ قَطْعُ الشَّهَادَةِ فِي أَنَّ اللَّهَ عَنَى بِاللَّاعِنِينَ الْبَهَائِمَ وَالْهَوَامَّ وَدَبِيبَ الْأَرْضِ، إِلَّا بِخَبَرٍ لِلْعُذْرِ قَاطِعٍ، وَلَا خَبَرَ بِذَلِكَ وَظَاهِرُ كِتَابِ اللَّهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ دَالٌّ عَلَى خِلَافِهِ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 160] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ وَاللَّاعِنِينَ يَلْعَنُونَ الْكَاتِمِينَ النَّاسَ مَا عَلِمُوا مِنْ أَمْرِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِفَتِهِ وَنَعْتِهِ فِي الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ وَبَيَّنَهُ لِلنَّاسِ، إِلَّا مَنْ أَنَابَ مِنْ كِتْمَانِهِ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَرَاجَعَ التَّوْبَةَ بِالْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْإِقْرَارِ بِهِ وَبِنِبُوَّتِهِ، وَتَصْدِيقِهِ فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَبَيَانِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي كُتُبِهِ الَّتِي أَنْزَلَ إِلَى أَنْبِيَائِهِ مِنَ الْأَمْرِ بِاتِّبَاعِهِ، وَأَصْلَحَ حَالَ نَفْسِهِ بِالتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ مِنْ صَالِحِ الْأَعْمَالِ بِمَا يُرْضِيَهُ عَنْهُ، وَبَيْنَ الَّذِي عَلِمَ مِنْ وَحْيِ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَى أَنْبِيَائِهِ وَعَهِدَ إِلَيْهِمْ فِي كُتُبِهِ فَلَمْ يَكْتُمْهُ وَأَظْهَرَهُ فَلَمْ يُخْفِهِ. فَأُولَئِكَ، يَعْنِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ فَعَلُوا هَذَا الَّذِي وَصَفْتُ مِنْهُمْ، هُمُ الَّذِينَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ، فَأَجْعَلُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِيَابِ إِلَى طَاعَتِي وَالْإِنَابَةِ إِلَى مَرْضَاتِي

الصفحة 738