كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 2)
حَتَّى صَارَا لِاشْتِبَاهِهِمَا فِي الْمَعَانِي كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ نَفْي النَّظِيرِ عَنْهُ وَالشَّبِيهِ. قَالُوا: فَلَمَّا كَانَتِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ مِنْ مَعَانِي الْوَاحِدِ مُنْتَفِيَةً عَنْهُ صَحَّ الْمَعْنَى الرَّابِعُ الَّذِي وَصَفْنَاهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى وَحْدَانِيَّتِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ مَعْنَى انْفِرَادِهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ وَانْفِرَادِ الْأَشْيَاءِ مِنْهُ. قَالُوا: وَإِنَّمَا كَانَ مُنْفَرِدًا وَحْدَهُ، لِأَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي شَيْءٍ وَلَا دَاخِلٍ فِيهِ شَيْءٌ. قَالُوا: وَلَا صِحَّةَ لِقَوْلِ الْقَائِلِ وَاحِدٌ مِنْ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ إِلَّا ذَلِكَ. وَأَنْكَرَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ الْمَعَانِيَ الْأَرْبَعَةَ الَّتِي قَالَهَا الْآخَرُونَ
§وَأَمَّا قَوْلُهُ: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [البقرة: 163] فَإِنَّهُ خَبَرٌ مِنْهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّهُ لَا رَبَّ لِلْعَالَمِينَ غَيْرَهُ، وَلَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى الْعِبَادِ الْعِبَادَةَ سِوَاهُ، وَأَنَّ كُلَّ مَا سِوَاهُ فَهُمْ خَلْقُهُ، وَالْوَاجِبُ عَلَى جَمِيعِهِمْ طَاعَتُهُ، وَالِانْقِيَادُ لَأَمْرِهِ وَتَرْكُ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَنْدَادِ وَالْآلِهَةِ وَهَجْرِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ، لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ خَلْقُهُ وَعَلَى جَمِيعِهِمُ الدَّيْنُونَةُ لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالْأُلُوهِيَّةِ، وَلَا تَنْبَغِي الْأُلُوهِيَّةُ إِلَّا لَهُ، إِذْ كَانَ مَا بِهِمْ مِنْ نِعْمَةٍ فِي الدُّنْيَا فَمِنْهُ دُونَ مَا يَعْبُدُونَهُ مِنَ الْأَوْثَانِ، وَيُشْرِكُونَ مَعَهُ مِنَ الْأَشْرَاكِ وَمَا يَصِيرُونَ إِلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ فِي الْآخِرَةِ فَمِنْهُ، وَأَنَّ مَا أَشْرَكُوا مَعَهُ مِنَ الْأَشْرَاكِ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ فِي عَاجِلٍ وَلَا فِي آجِلٍ، وَلَا فِي دُنْيَا، وَلَا فِي آخِرَةٍ. وَهَذَا تَنْبِيهٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَهْلَ الشِّرْكِ بِهِ عَلَى ضَلَالِهِمْ، وَدُعَاءٌ مِنْهُ لَهُمْ إِلَى الْأَوْبَةِ مِنْ كُفْرِهِمْ، وَالْإِنَابَةِ مِنْ شِرْكِهِمْ. ثُمَّ عَرَّفَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِالْآيَةِ الَّتِي تَتْلُوهَا مَوْضِعَ اسْتِدْلَالِ ذَوِي الْأَلْبَابِ مِنْهُمْ
الصفحة 746
765